وبذلك يظهر لك وجه كلام الشيخ رحمهالله في التزامه بعدم الاستهجان لو كان المقدار الخارج بعنوان واحد.
كما انه يظهر لك وجه كلام صاحب الكفاية ، فان الإخراج بعنوان واحد انما لا يكون مستهجنا إذا كان الملحوظ فيه تخصيص العموم الأنواعي.
وهذا في المورد الّذي يكون العام مشتملا فيه على كلتا الجهتين من العموم.
أما إذا كان متمحضا في العموم من حيث الافراد بحيث أخذ العنوان العام طريقا لإثبات الحكم على أفراده بلا ملاحظة جهة الأنواع ، فان الدليل المخصص يصطدم رأسا مع العموم الأفرادي ، فإذا كان ما يندرج تحته أكثر الافراد كان من تخصيص الأكثر المستهجن.
وقد يفرّق بين هذين القسمين من العموم ، فيلتزم بان مثال القسم الأول هو العموم الملحوظ بنحو القضية الحقيقية. ومثال القسم الثاني هو العموم في القضايا الخارجية ، نظير : « قتل من في العسكر ».
ونحن بعد أن بيّنا جهة الفرق ونكتته لا يهمنا التسمية ولا نتقيد بها. إنما المهم هو. تحقيق أن عموم نفي الضرر من أي النحوين؟. وعليه يبتني تحديد رجحان ما أفاده الشيخ أو ما أفاده صاحب الكفاية.
والّذي نراه هو ان عموم نفي الضرر من النحو الثاني ـ أعني : ما لوحظ فيه الحكم على الافراد بلا ملاحظة الأصناف ـ فهو مما يتمحض في جهة العموم الأفرادي ، فهو أشبه بالقضية الخارجية وإن لم يكن منها ، كما سنشير إليه.
بيان ذلك : ان المفروض هو كون دليل : « لا ضرر » موجبا للتصرف في أدلة الأحكام ومقيدا لها بصورة عدم الضرر ، فالملحوظ فيه هو الأحكام المجعولة بأدلتها من قبل الشارع ، كوجوب الوضوء ووجوب الصلاة ووجوب الصوم وحرمة التصرف في مال الغير ولزوم المعاملة ونحو ذلك.