قرّبناه إثباتا بالوجهين المزبورين.
لكن التحقيق : هو ان الالتزام بالوجه الثاني بالتقريبين المتقدمين يبتني على شيء واحد مفقود خارجا ، فانه يبتني على وجود دليل يدل على لزوم الاجتناب عن النجاسة بهذا العنوان ـ أعني : بعنوان اجتنب وما شاكله ـ. وهو مفقود ، إذ الّذي ورد في النصوص هو الأمر بالغسل أو النهي عن الشرب ، ولم يرد فيها أمر بالاجتناب أصلا (١). والأمر بالغسل لا ظهور له في غسل الملاقي عرفا.
وأما الكتاب الكريم فالذي يتخيل دلالته على الأمر بالاجتناب منه آيتان :
إحداهما : آية الخمر والميسر ، للتعبير فيها بقوله : ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ (١).
ولكن الأمر بالاجتناب هاهنا ليس من جهة النجاسة قطعا ، لكون موضوعه أمورا أربعة وكلها ليس بنجس عدا الخمر ، فلا يمكن ان يكون الملحوظ هو جهة النجاسة ، بل لا بد أن تكون جهة أخرى جامعة ، وقد عرفت ان مجرد الأمر بالاجتناب عن الشيء لا ظهور له في الاجتناب عن ملاقيه ، ولذا لم يحتمل ذلك في باب الغصب ونحوه ، وإنما قلنا ان الأمر بالاجتناب بعنوان النجاسة والقذارة ظاهر في ذلك لا غير.
والأخرى : قوله تعالى : ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ (٢). ودلالتها تبتني على إرادة النجس من الرجز ، وهي محل نظر ، لأن الرجز في تفسير اللغويين بمعنى الرجز ـ بالكسر ـ ، وهو العذاب ، فيكون المراد الأمر بالاجتناب عن العذاب ، وهو كناية عن الأمر باجتناب سببه كالأمر بالمسارعة إلى المغفرة ، ويراد بها سبب
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢ ـ أبواب النجاسات. كـ : ح ٢ ب ٨ قال أبو عبد الله عليهالسلام : اغسل ثوبك من أبوال ما لا يأكل لحمه. وح ٢ باب ٨٢ : عن أبي عبد الله عليهالسلام ( في حديث ) قال كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلاّ ان ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب. وغيرهما.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٩٠.
(٣) سورة المدّثر ، الآية : ٥.