سبيله وعبده حتى أتاه اليقين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما كثيرا ، أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه ، واليه يصير غدا معادها ، وبيده فناؤها وفناؤكم ، وتصرم أيامكم وفناء آجالكم وانقطاع مدتكم ، فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عن من كان قبلكم ، فاجعلوا عباد الله اجتهاد كم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل ، فإنها داره عمل ، والآخرة دار القرار والجزاء ، فتجافوا عنها ، فان المغتر من اغتر بها ، لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها أن تكونوا كما قال الله تعالى ﴿ كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ الآية (١) مع أنه لم يصب امرئ منكم في هذه الدنيا خيره إلا أورثته غيره ، ولا يصبح فيها في جناح أمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة أو تغير نعمة أو زوال عافية ، مع أن الموت من وراء ذلك وهو المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل ، تجزى كل نفس بما عملت ، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، فاتقوا الله تعالى وسارعوا إلى رضوان الله ، والعمل بطاعته ، والتقرب اليه بكل ما فيه الرضا ، فإنه قريب مجيب ، جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه ، وإن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى ﴿ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢) أستعيذه بالله من الشيطان الرجيم ، ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ - ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٣) اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وتحنن على

__________________

(١) سورة يونس عليه‌السلام - الآية ٢٥.

(٢) سورة الأعراف - الآية ٢٠٣.

(٣) سورة الأحزاب - الآية ٥٦.

۴۸۶۱