الجملة الثانية مفهوماً للجملة الاولى ، وحينئذ تدل الموثقة على أن الدم إذا تجاوز الكرسف فيجب فيه الأغسال الثلاثة ، وإذا لم يتجاوز يجب فيه غسل واحد. وهذا خلاف ما يدعيه المحقق الخراساني ، وهو عين ما التزم به المشهور في الدم المتجاوز والدم الثاقب غير المتجاوز.

وإمّا أن يعكس الأمر ويتصرف في الجملة الثانية بحمل التجاوز على الثقب ، أي إذا لم يثقب الدم وجب عليها غسل واحد ، وهو ما ادعاه قدس‌سره في المقام ، وبما أنه لا قرينة على تعيين أحد التصرفين وارتكاب إحدى المخالفتين للظاهر ولا مرجح له تصبح الموثقة المذكورة مجملة لا محالة.

الثاني : أن الجملة الثانية ليست تصريحاً بمفهوم الجملة الاولى ، بل الظاهر المستفاد من الموثقة أن الجملة الأُولى مطلقة ، وقد دلّت بإطلاقها على وجوب الأغسال الثلاثة مع الثقب تجاوز أم لم يتجاوز ، والجملة الثانية بيان ومقيد لإطلاق الجملة الأُولى وتدل على أن وجوب الأغسال الثلاثة إنما هو إذا ثقب الدم وتجاوز ، وأمّا إذا ثقب ولم يتجاوز فالواجب غسل واحد.

ولا بأس بالإطلاق في الجملة المتقدمة مع بيان القيد في الجملات المتأخرة ، بل هو كلام فصيح ، وقد وقع نظيره في كلام الله سبحانه كما في قوله تعالى ﴿ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فإنّه بإطلاقه شامل للجنب وغيره ، ثم أتى بمقيدة بقوله عزّ من قائل ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (١) فإنه مقيد لإطلاق الجملة السابقة ودال على أن وجوب الوضوء إنما هو في حق غير الجنب ، وأمّا الجنب فحكمه أن يتطهر.

وعليه فالموثقة تدل على مذهب المشهور ، غاية الأمر أن نضيف عليها الحكم بوجوب الوضوء مع عدم الثقب أصلاً بمقتضى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

ويدلُّ على ما ذكرناه موثقة أُخرى لسَماعة مسندة عن أبي عبد الله عليه‌السلام بخلاف هذه الموثقة فإنها مضمرة ، « قال : غسل الجنابة واجب ، وغسل الحائض إذا طهرت واجب ، وغسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم الكرسف‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

۴۲۴