وبالجملة : فما جاء في الدراسات في تحقيق هذه المسألة المهمة لا يجدي ولا يغني ولا يسمن من جوع كما عرفت.
وبعد ذلك نوقع البحث في تحقيق أصل المطلب ، فنقول وعلى الله الاتكال ومنه نستمد القوة والعون : ان العلم الإجمالي يصلح لأن يكون بيانا ـ في نظر العرف والعقلاء ـ للتكليف المعلوم بالإجمال ، بحيث يكون في عهدة المكلف وثابتا عليه في أي طرف كان ، ومعه لا يمكن ان تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان في أحد الطرفين. إذ المخالفة الناشئة عن ارتكاب أحد الطرفين ليست مخالفة بدون بيان ، فموضوع البراءة العقلية غير متحقق في كل طرف من أطراف العلم الإجمالي ، لقيام البيان على التكليف الواقعي على تقدير ثبوته فيه واقعا.
وأما البراءة الشرعية ، فمن يرى ان روايات البراءة لا تتكفل أكثر من مفاد البراءة العقلية ، فالحال فيها كالحال في العقلية.
ومن يرى أنها تتكفل حكما ظاهريا هو الإباحة في ظرف الشك ، ويستتبع ذلك التأمين من العقاب ، لأن الترخيص والحلية تتنافى مع العقاب واقعا ، فيكون عدم العقاب من باب بيان العدم لا عدم البيان.
فهل نستطيع أن نقول بإمكان جريان البراءة في أحد الأطراف أو لا؟. الحق أنه لا مانع عقلا من الترخيص في بعض الأطراف وتأمين الشارع من العقاب على تقدير كون الواقع فيه ، فللمولى أن يقول لعبده : إنني أقتنع منك بترك بعض الأطراف وأبيح لك الأطراف الأخرى. وفي مثله لا يحكم العقل بثبوت العقاب على الطرف المرخص فيه على تقدير المصادفة للواقع.
وبالجملة : لا نرى مانعا عقليا في مقام الثبوت من الترخيص في بعض الأطراف والتأمين من العقاب عليه ، ومن هذا الباب جعل البدل ، فانّه وان اصطلح عليه بهذا العنوان ، لكنه في واقعه يرجع إلى الترخيص في بعض