المورد من صغريات باب التزاحم ، وإن كان يختلف التزاحم هنا عن التزاحم في موارده المعروفة ، فان التزاحم فيها يرجع إلى عدم القدرة على الجمع بين المتعلقين ، والتزاحم هنا يرجع إلى ناحية تأثير العلم الإجمالي ، لأن العلم الإجمالي يقتضي تنجيز التكليف وتأثيره في لزوم القطع بامتثاله ، وبما انه لا يمكن تحصيل القطع بالموافقة بالنسبة إلى كلا العلمين ـ هنا ـ ، فلا محالة يقع التزاحم في تأثير العلم في وجوب الموافقة القطعية ، فيقدم الأقوى ملاكا بلحاظ متعلقه ويسقط الآخر عن التأثير. والنوبة إلى التخيير الّذي ذكره لا تصل إلا عند فرض عدم الأهمية لأحد الحكمين على الآخر (١).

أقول : لا بد من البحث في جهات :

الجهة الأولى : في الفرق بين هذا المقام وبين مورد دوران الأمر بين محذورين في الوقائع المتعددة.

بيان ذلك : انه قد تقدم (٢) في دوران الأمر بين محذورين البحث في التخيير البدوي أو الاستمراري مع تعدد الواقعة ، وقد مرّ هناك انه كما يوجد علم إجمالي بحرمة أو وجوب كل من الواقعتين كذلك يوجد علم إجمالي بحرمة هذه الواقعة أو وجوب تلك الواقعة ، وعلم إجمالي بوجوب هذه الواقعة أو حرمة تلك الواقعة ، وهذان العلمان الإجماليان المنعقدان بلحاظ تعدد الواقعة مما لا يمكن موافقتهما القطعية معا ، بل الموافقة القطعية لأحدهما مستلزمة للمخالفة القطعية للآخر ، ولأجل ذلك يدور الأمر بين ترجيح أحد العلمين أو الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية لكل منهما ونتيجته التخيير البدوي.

ولا يخفى ان هذا المقام يشابه ما نحن فيه ـ أعني : دوران الأمر بين

__________________

(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٤ ـ ٢٦٣ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) راجع ٥ ـ ٣٢ من هذا الكتاب.

۴۸۷۱