فدليل البراءة محكّم من عقل ونقل.

وقد يتوهم عدم جريان البراءة في وجوب الباقي لوجهين :

الوجه الأول : ان مقتضى حديث الرفع ـ إذا يمكن ان يجري الحديث بلحاظ رفع الاضطرار وبلحاظ رفع ما لا يعلمون ، لأن جزئية المتعذر مجهولة حال التعذر ، فيكون مقتضى الحديث ـ هو عدم جزئية المتعذر في حال التعذر ، ومقتضى ذلك ثبوت الأمر بالباقي.

وأورد عليه في الكفاية بان حديث الرفع وارد مورد الامتنان ، فيختص جريانه في مورد يستلزم نفي التكليف لا إثباته ، فإذا كان جريانه مستلزما لإثبات التكليف كما فيما نحن فيه لم يجر لمنافاته للامتنان (١).

وزاد على هذا الإيراد بعض المحققين رحمه‌الله وجهين آخرين :

أحدهما : ان الجزئية للمأمور به المجعولة بالأمر المركب مقطوعة الانتفاء للقطع بانتفاء الأمر بالمركب لأجل التعذر. والجزئية بلحاظ مقام الغرض وان كانت مشكوكة الثبوت ، لكنها واقعية لا مجعولة ، فالجزئية القابلة للجعل والرفع غير مشكوكة ، والجزئية المشكوكة غير قابلة للرفع. إذن فلا مجال لحديث الرفع.

والآخر : ان دليل الواجب إما ان يكون له إطلاق أو لا يكون له إطلاق ، فان كان له إطلاق يدل على ثبوت الأمر بالباقي كفى ذلك في نفي الجزئية ولا مجال معه لحديث الرفع كما عرفت. وان لم يكن له إطلاق ، فحديث الرفع لا ينفع في إثبات الأمر بالباقي ، لأنه إنما يتكفل الرفع دون الإثبات (٢).

وبهذه الوجوه تعرف انه لا مجال للالتزام بإجراء حديث الرفع في جزئية المتعذر.

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٦٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٢) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٢٩٦ ـ الطبعة الأولى.

۴۸۷۱