الاحتياط ، بناء على الالتزام بحكم العقل المزبور الّذي عليه الكل ، والجواب هناك هو الجواب هنا. فراجع (١).
وأما الوجه الثاني ، فهو يبتني على ملاحظة أصالة البراءة بالنسبة إلى الجامع المعلوم وفرض الطرفين طرفا واحدا ، إذ لا يتصور الاحتياط حينئذ ، مع انه لا ينبغي ذلك ، إذ البراءة تلحظ بالنسبة إلى كل طرف بخصوصه ، وجعل الاحتياط والضيق بالنسبة إليه ممكن للشارع ، إذ للشارع أن يجعل الاحتياط بلحاظ احتمال الوجوب ، فيلزم بالفعل كما له ان يجعله بلحاظ احتمال الحرمة ، فينفي الاحتياط بلحاظ كلا الحكمين تسهيلا ومنة ، برفع كل منهما على حدة.
ومنه ظهر الإشكال فيما أفاده المحقق الأصفهاني ، فان عدم التمكن من الامتثال إنما هو بملاحظة الجامع المعلوم. وإلا فبملاحظة كل احتمال بحياله يكون المكلف قادرا على امتثاله ، فتجري أصالة البراءة فيه للجهل به بخصوصه وإن كان الجامع معلوما.
وبالجملة : فإيراد المحققين قدسسرهما ناش من ملاحظة الطرفين طرفا واحدا ، وقياس البراءة بالنسبة إلى جامع الإلزام المعلوم. وهو ليس كما ينبغي.
ولكن هذا الإيراد عليهما بدوي ، إذ يمكن توجيه كلامهما بما يرتفع به الإيراد فنقول : انه بناء على ان النهي عبارة عن الزجر عن الفعل لا طلب الترك ـ كما يراه صاحب الكفاية ـ يكون مورد الوجوب والحرمة شيئا واحدا وهو الفعل. إذن فالجامع بين الوجوب والحرمة معلوم التعلق بالفعل ، والفعل يعلم بورود الجامع بينهما عليه ، ولنسمه الإلزام ـ تبعا للأعلام ـ ، فالإلزام الجامع يعلم تفصيلا بتعلقه بالفعل. وإنما الشك في خصوصية الإلزام من وجوب أو حرمة.
__________________
(١) راجع ٤ ـ ١٩٦ من هذا الكتاب.