الاعتبار الشخصي يطرأ على الموضوع الكلي كوجوب الحج على المستطيع. ويثبت الوجوب من حين الاعتبار وان لم يكن للموضوع وجود أصلا ، فالوجوب ثابت فعلا قبل صيرورة الشخص مستطيعا ، وبعد الاستطاعة يتصف الشخص بأنه من وجب عليه الحج. ولا يخفى ان هذا الوجوب الحادث غير الوجوب الثابت بمجرد الاعتبار ، إذ ذلك كان ثابتا ولم يكن الشخص متصفا به. وهذا يكشف عن وجود مرحلة أخرى للوجوب هي مرحلة التطبيق الحاصلة عند حصول الموضوع خارجا. ومن الواضح ان هذه المرحلة هي محط الآثار العملية العقلية ، إذ لا أثر لمجرد اعتبار الحكم الكلي مع قطع النّظر عن انطباقه على موضوعه الخارجي.
وعليه ، نقول : إن استصحاب عدم الجعل الكلي لا ينفع في إثبات عدم المجعول بمرحلته الثانية ذات الأثر العملي إلا من باب الأصل المثبت. كما ان استصحاب عدم اللون الأبيض لا ينفع في إثبات عدم المرتبة الخاصة من اللون الأبيض المشكوكة إلا من باب الأصل المثبت.
وبالجملة : يتأتى هاهنا نفس البيان الّذي ذكرناه على تقدير الالتزام بتغاير الجعل والمجعول.
والمتحصل : ان ما أفاده المحقق النائيني رحمهالله من ان استصحاب عدم الجعل لا أثر له إلا بناء على القول بالأصل المثبت مما لا محيص عنه. هذا مع قطع النّظر عن عدم قابلية العدم للتعبد ، وإلا فالإشكال فيه أوضح. فانتبه.
ثم انه قد أشرنا إلى ارتباط هذا البحث بجريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية. وبيان ذلك بنحو الإجمال : ان الشك في الحكم الشرعي إيجابا كان أو تحريما تارة : يكون في ثبوته لحصة في عرض سائر الحصص ، كالشك في حرمة الصوت مع عدم الترجيع أو الطرب ، مع العلم بحرمة الفرد المشتمل على الترجيع والطرب. وأخرى : يكون في ثبوته لحصة في طول سائر الحصص من حيث الزمان ،