ولكنه حاول تقريب هذا الأصل بإرجاع الجزئية إلى مرحلة ثالثة وسط بين مرحلة دخالته في المركب الواقعي وبين مرحلة دخالته في المأمور به. ببيان : ان الماهيات المركبة كالصلاة انما يكون تركبها جعليا ، إذ هي في حد ذاتها اجزاء متباينة ومتنوعة المقولات لا ارتباط بينها في أنفسها ، وانما تصير شيئا واحدا بالاعتبار. بان يلحظ الآمر مجموع هذه الأمور المتباينة أمرا واحدا ، فيكون كل من هذه الأمور جزء ، بمعنى انه لوحظ مع غيره أمرا واحدا.
وعليه ، فإذا شك في جزئية شيء ، فيكون مرجع الشك إلى الشك في ملاحظته مع غيره شيئا واحدا ، وفي تعلق اللحاظ به كذلك ، فيجري استصحاب عدمه ، ويترتب عليه ثبوت كون الماهية هي الأقل ، وذلك لأن الأقل يتقوم بأمرين جنس وجودي ، وهو ملاحظة الاجزاء المعلومة. وفصل عدمي وهو عدم ملاحظة غيرها. واحد هذين الأمرين ثابت بالوجدان وهو الجنس والآخر يثبت بالأصل وهو الفصل ، فيثبت في مرحلة الظاهر كون الواجب هو الأقل (١).
ولا يخفى عليك ان فائدة التمسك بالاستصحاب لأجل إثبات وجوب الأقل ونفي وجوب الأكثر والاهتمام بهذه الجهة ، انما هي دفع من يذهب إلى الاحتياط بواسطة ان العلم الإجمالي وان انحل إلى العلم التفصيليّ بوجوب الأقل والشك في وجوب الأكثر ، لكن وجوب الأقل المعلوم تفصيلا مردد بين كونه استقلاليا وكونه ضمنيا ، وإذا كان ضمنيا لا يتحقق امتثاله إلا بإتيان الأكثر. وعليه فمقتضى العلم التفصيليّ باشتغال الذّمّة بالأقل هو لزوم تحصيل الفراغ التفصيليّ عن الأقل ، وهو لا يكون إلاّ بإتيان الأكثر. وقد ينسب هذا البيان إلى صاحب الفصول (٢).
__________________
(١) الأنصاري المحقق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٢٧٩ ـ الطبعة الأولى.
(٢) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٣ ـ ٣٨٧ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.