واما النحو الثاني من النحوين فهو وان كان سليما عن الاعتراض المتقدم اما باعتبار منجزية الاحتمال عقلا لو لا الأصل المؤمن ـ كما هو المختار عندنا ـ أو لكون الشك في الامتثال بناء على الشرطية أو لكون جعل الاستصحاب أو القاعدة بنفسه إبراز لعدم شدة اهتمام المولى وعدم تنجيزه للواقع عند الشك دفعا لتوهم التنجز الّذي قد يحصل لدى بعض الناس (١).
ولكنه مع ذلك يمكن ان يورد على هذا النحو من تصوير المانعية بان تقييدها بالتنجيز يوجب المحذور العقلي في جعل الاستصحاب بنحو ما يمكن تقريره في عالم الجعل تارة والتنجز ثانية والتعبد ثالثة. وتوضيح ذلك : انه يلزم من ذلك في عالم الجعل محذور أخذ التنجز الحكم في موضوع شخصه وهو محال كأخذ العلم بالحكم الفعلي في موضوعه إذ لا يراد في المقام من تنجز النجاسة الا تنجز المانعية نفسها لأن النجاسة كحكم وضعي لا معنى لتنجزها ، وتنجز حكم تكليفي آخر مترتب عليها كحرمة الشرب والأكل لو فرض لا يفيد في المقام إذ قد يفترض عدم ترتب حكم كذلك أو عدم تنجزه على تقدير ثبوته فيلزم صحة الصلاة في الثوب النجس مع العلم بالنجاسة حينئذ وهو خلف.
ويلزم في عالم التنجز استحالة منجزية العلم بالنجاسة للمانعية لأن العلم بها ليس علما بتمام الموضوع للمانعية ليتنجز بالعلم سواء على مسلك العلية أو الاقتضاء
__________________
بجريانه يرتفع موضوع المانعية وهو التنجز لو لا الاستصحاب.
وثانيا ـ يلزم عدم الاجزاء إذا صلى معتمدا على استصحاب الطهارة ثم انكشف الخلاف بعد الصلاة لتمامية موضوع المانعية المركب من النجاسة الواقعية والقضية التعليقية المذكورة لأنها لا ترتفع بالاستصحاب بحسب الفرض.
والصحيح في جواب هذه الشبهة ما سوف يأتي في التعليق على النحو الثاني من المانعية من أن المأخوذ في مانعية النجاسة تنجز النجاسة لا تنجز المانعية ولكن بنحو القضية التعليقية أي إذا كانت النجاسة حكما تكليفيا كان منجزا على المكلف ولا مانع من أخذ تنجز حكم في موضوع حكم آخر وصدق هذه القضية التعليقية منوط بتمامية أمرين :
أحدهما ـ تمامية أركان الاستصحاب في النجاسة أو الطهارة إثباتا ونفيا.
والآخر ـ تمامية كبرى الاستصحاب وحجيته في نفسه والا لم تكن النجاسة متنجزة حتى إذا كانت حكما تكليفيا.
وبجريان استصحاب الطهارة بمعنى تمامية أركانه فيها يرتفع موضوع المانعية واقعا لارتفاع القضية التعليقية المذكورة والّذي يكون في طول حجية كبرى الاستصحاب وهذا هو معنى جريان الاستصحاب في الطهارة والنجاسة بلحاظ المانعية إثباتا ونفيا وتكييفه الثبوتي هنا وان كان تعبيره الإثباتي واحدا في جميع المقامات فتأمل جيدا.
(١) هذا الوجه الأخير لا يكفي لدفع إشكال القطع بعدم المانعية في موارد عدم التنجز وانما قد يفيد في دفع إشكال اللغوية وهو مطلب آخر.