الاعتبارات كلها صياغات لا أكثر ، وروح التعبد الاستصحابي انما هو الاهتمام بحفظ الأغراض والملاكات الواقعية المتزاحمة في مرحلة الحفظ على طبق الحالة السابقة فيكون الحدوث لا محالة موضوعاً وشرطاً في هذا الاهتمام لأنه متفرع عليه.
وهكذا يتضح انه لا محيص من أخذ الحدوث على الأقل شرطاً وركناً في التعبد الاستصحابي فتكون الأمارة على الحدوث بنفسها منجزة لأثر هذا التعبد الظاهري لأنها تنقح موضوعه بحسب الحقيقة.
ثم انَّ السيد الأستاذ في مقام الإيراد على مقالة صاحب الكفاية ذكر مطلباً غريباً حاصله : انه إن قصد من التعبد بالملازمة الواقعية بين الحدوث والبقاء بان يكون مفاد دليل الاستصحاب الاخبار عن الملازمة بينهما فهذا مع كونه مخالفاً للواقع يجعل الاستصحاب أمارة لا أصلاً عملياً إذ يكون في طول هذه الملازمة الأمارة الدالة على الملزوم وهو الحدوث دالة على اللازم وهو البقاء فيثبت البقاء بالأمارة لا بالأصل وان قصد الملازمة الظاهرية بين الحدوث والبقاء فلازمه الملازمة الظاهرية بين حدوث التنجيز وبقائه ولا يمكن الالتزام به ، إذ في موارد العلم الإجمالي بالحرمة مثلاً يكون التكليف منجزاً ثم لو قامت بينة على حرمة بعض الأطراف بخصوصه ينحل العلم الإجمالي وبانحلاله يرتفع التنجيز فانه تابع للمنجز وبقدره فلا ملازمة بين حدوث التنجيز وبقائه ولا يلتزم بها صاحب الكفاية أيضاً (١).
__________________
(١) مصباح الأصول ج ٣ ص ٩٨ ، جاء في تقريرات الدراسات للسيد الوالد ( قده ) المخطوط مضافاً إلى ما ذكر ( كما انه يلزم منه حجية قاعدة اليقين أعني الشك الساري ، وتوهم كون المراد بالملازمة التعبد ببقاء ما ثبت واقعاً تيقن به المكلف أو لم يتيقن فاسد فانَّ لازمه مضافاً إلى مخالفته لظاهر الأدلة وعدم إمكان اسناده إلى المحقق المزبور جريان الاستصحاب بمجرد احتمال البقاء في فرض الثبوت واقعاً ولو لم يعلم به المكلف فإذا شك في نجاسة شيء وجرى فيه قاعدة الطهارة ثم بعد مدة علم بأنه كان نجساً سابقاً قبل زمان الشك في نجاسته انكشف به نجاسته من حين الشك للاستصحاب وهذا ما لا يمكن الالتزام به ).
أقول : امَّا بالنسبة إلى النقض بلزوم حجية قاعدة اليقين فقد عرفت جوابه بما في المتن ، وامَّا ما ذكره من الإشكال في أَن يكون الحدوث الواقعي موضوعاً للتعبد بالبقاء من لزوم جريان الاستصحاب بمجرد احتمال البقاء في فرض الثبوت واقعاً ولو لم يعلم به المكلف ، فجوابه : انَّنا تارة نبني على انَّ الأحكام الظاهرية متقومة بالوصول ـ كما هو مختاره ـ وأخرى نبني على ثبوتها واقعاً كالأحكام الواقعية ـ كما هو المختار ـ فعلى الأول لا يلزم ما ذكر فانَّ حدوث النجاسة وإن كان ثابتاً في المثال إلاّ انَّ عدم وصوله مساوق لارتفاع التعبد الاستصحابي بالنجاسة حين الشك فتكون الطهارة الظاهرية جارية حقيقية ، وعلى الثاني يلتزم بجريان الأصل المؤمن الطولي أي بلحاظ الشك في الواقع وعدم وصول التعبد الاستصحابي بالنجاسة بناءً على ما تقدم في محله من جريان الأصل الطولي في مرتبة الشك في الحكم الظاهري ولو لم نقل بذلك فيلتزم بعدم جريان الأصل المؤمن واقعاً في المثال وانَّما تخيل جريانه ولا محذور في الالتزام به.