وهكذا يتضح ان شيئا من الأدلة لإثبات اختصاص الاستصحاب بموارد الشك في الرافع مع إحراز المقتضى غير تام.
ونضيف هنا : بأنا لو فرضنا اختصاص الأحاديث المشتملة على كلمة النقض بالشك في الرافع كفانا ما لم يرد فيه التعبير بالنقض من الروايات خصوصا مثل
__________________
مع محدودية المنكشف في نفسه وانتفائه فيكون عدم الجري العملي من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا النقض.
وقد يجاب على هذا التقريب للاختصاص بان المفروض إلغاء خصوصية الحدوث والبقاء في متعلق اليقين والشك وإضافتهما إلى ذات الشيء مع قطع النّظر عن الزمان ، ومعه يكون النقض العملي صادقا حتى في موارد الشك في المقتضي لأن اليقين بذات المتيقن يقتضي الجري العملي كلما تحقق فيكون رفع اليد عنه بالشك نقضا عمليا لا محالة.
الا ان هذا الجواب غير تام أيضا لأن خصوصية الحدوث والبقاء وان كانت ملغية الا ان عدم صدق النقض في موارد الشك في المقتضي ليس من ناحية هذه الخصوصية بل من ناحية ما يلازمها من انتفاء موضوع المتيقن ومقتضي الجري العملي ، وإلغاء خصوصية الزمان لا يعني إلغاء ما يلازمها من الخصوصيات المانعة عن صدق النقض العملي ، فالحاصل عدم صدق النقض العملي إذا كان من ناحية الحدوث والبقاء فهو ملغى في دليل الاستصحاب وان كان من ناحية انتفاء مقتضى العمل وموضوعه فهذا ما لا يلغيه دليل الاستصحاب.
والتحقيق ان يقال : في مقام الجواب عن هذا التقريب الّذي يظن بأنه هو حاق مقصود الميرزا ( قده ) بان النهي عن نقض اليقين بالشك تارة يفترض فيه انه نهي عن النقض الحقيقي لليقين بالشك إرشادا إلى التعبد ببقاء اليقين ، كما في النهي عن الصلاة أيام القرء إرشادا إلى بطلانها ، وأخرى يفترض فيه بأنه نهي عن النقض العملي بان يؤخذ نفس تعلق النهي به قرينة على إرادة ذلك.
اما على الأول ـ فمن الواضح انه لا وجه لدعوى الاختصاص كما لا موضوع لهذا التقريب إذ ليس المراد من النقض النقض العملي ليلحظ المتيقن ، ولعله كان الأنسب مع مباني الميرزا ( قده ) في استفادة جعل العملية والطريقية في الاستصحاب اختيار هذا الوجه في تفسير الحديث.
واما على الثاني ـ فأيضا لا يتم التقريب المذكور إذ لو أريد عدم صدق النقض العملي في موارد الشك في المقتضي من جهة عدم الاستحكام والإبرام لليقين في هذه الموارد لكي يصح اسناد النقض إليه.
فيرد عليه : أولا ـ ما تقدم من ان الصحيح هو استحكام اليقين وإبرامه بلحاظ تعلقه والتفافه حول متعلقه سواء كان مقتضي المتعلق محرزا أم لا.
وثانيا ـ ما عرفت من ان ثبوت المقتضي للمتيقن بمعنى الثبات والاستعداد لبقائه ليس كافيا لصحة اسناد النقض لأن مصححه الحالة الإبرامية لا البقاء والاستمرار ولهذا لا يصح استعمال النقض لمجرد قطع حالة الاستمرارية فلا يقال نقضت قيامي أو قعودي كما يقال نقضت اليقين أو العهد واليمين.
وان أريد عدم صدق النقض العملي من جهة ان النقض يعني رفع ما هو ثابت لو لا النقض والناقض فلا بد من فرض ثبات الجري العملي لو لا النقض ، وهذا ما لا يحرز في موارد الشك في المقتضي للمتيقن لأن الجري العملي انما يثبت بلحاظ المتيقن وثباته فالجواب : ان النقض قد أسند إلى اليقين بحسب الفرض فلا بد من فرض اليقين وجريه العملي ثابتا لو لا الشك وهذا صادق حتى في موارد الشك في المقتضي ولا اختصاص له بموارد الشك في الرافع ، نعم لو كان التعبير ( لا تنقض الجري العملي لليقين بالشك ) فقد يدعى عدم صدقه في موارد الشك في المقتضي واحتمال محدودية المتيقن الا ان هذا معناه بحسب الحقيقة اسناد النقض إلى المتيقن والجري العملي وهو خلف المدعى وخلاف الظاهر ، ومجرد كون المراد بالنقض النقض العملي لا يستبطن ذلك. والظاهر ان روح مقصود سيدنا الأستاذ ( قدسسره الشريف ) من الإيرادين ما شرحناه فتدبر.