ان يكون له وجود ثان وراء نفس الجعل يتحقق خارجا عند تحقق موضوعه ، لأن هذا الوجود الثاني ان أريد به الوجود الخارجي فهو واضح الفساد ، وان أريد به وجود اعتباري في نفس المولى فمن الواضح عدم تحقق شيء في نفس المولى عند تحقق الموضوع خارجا ، بل قد لا يكون المولى ملتفتا أو عالما بتحقق موضوع جعله بل يستحيل ذلك على ما قرر في محله.

على انه إذا كان مركز الاستصحاب الوجود الفعلي بهذا المعنى للحكم لزم عدم جريان استصحاب المجعول الا عند ما يتحقق هذا الوجود للحكم فلا يمكن للمجتهد ان يجري استصحاب بقاء النجاسة في الماء المتغير بعد زوال تغيره الا إذا تحقق ماء متغير في الخارج فوجدت نجاسته الفعلية وشك في بقاءها (١) لأن حال هذا الاستصحاب عنده حال استصحاب بقاء أي وجود خارجي يشك في بقائه ، وهذا خلاف ما هو المرسوم والمرتكز في محله فقهيا من ان المفتي في الشبهات الحكمية يفتي بالمستصحب على أساس الاستصحاب في الحكم الكلي كما إذا دل عليه دليل اجتهادي لا انه يفتي مقلديه بالرجوع إلى الاستصحاب عند تحقق الحكم الفعلي في حقهم وشكهم في بقائه.

الثاني ـ ما أفاده المحقق العراقي ( قده ) حينما آثار شبهة عدم وجود الحكم بمعنى المجعول في الخارج مع انه يشترط في الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة

__________________

(١) لا وجه لذلك لأن الحكم المشكوك ليس جزئيا وخاصا بالموضوع الّذي يتحقق في الخارج وانما هو حكم الطبيعي الموضوع فالماء المتغير الزائل عنه تغيره مشكوك النجاسة من أول الأمر حتى إذا قلنا بالتفكيك بين الجعل والمجعول والمفروض ان هذه الحصة من الحكم على تقدير ثبوته يكون في طول الحصة الأولى فالمجتهد متيقن بان كل ماء متغير يكون نجسا أولا وشاك في بقاء نجاسته إلى ما بعد زوال التغير وهذا هو يقين بالحدوث وشك في البقاء سواء وجد مصداق للمتيقن والمشكوك بالفعل خارجا أم لا فيجري الاستصحاب بلحاظه. وان شئت قلت : ان الشرط في جريان الاستصحاب اتصاف التعبد الاستصحابي على تقدير ثبوته بأنه بقاء للمتيقن بنحو مفاد كان الناقصة لا التامة وهذا حاصل في المقام فالمجتهد يجري بنفسه الاستصحاب لأنه يرى حكم الشارع تعبدا وظاهرا ببقاء كل حكم فرغ عن حدوثه ، ونجاسة الماء المشكوك بعد زوال تغيره منه ، نعم توجد هنا شبهة أخرى تقدم علاجها في بحوث القطع وهي ان اليقين والشك في المقام للمجتهد لا للمقلدين فكيف يثبت التعبد الاستصحابي لهم وهذه حيثية أخرى عولجت فيما تقدم.

والحاصل : إفتاء المجتهد بالحكم الاستصحابي مربوط بكلية الحكم المراد استصحابه أو جزئيته فانه إذا كان حكما للطبيعي وكان يشك في بقائه أو زواله بعد حدوثه كلما تحقق لم يتوقف جريان الاستصحاب فيه على انتظار تحقق مصداق من الموضوع خارجا لتحقق الشك في البقاء في القضية الكلية بنحو مفاد كان الناقصة من أول الأمر ، وان كان المشكوك حكما جزئيا كما في الشبهة الموضوعية توقف استصحابه على تمامية أركانه في ذلك الحكم الجزئي ولا تتم الا بعد تحقق الموضوع المشكوك خارجا.

۳۶۸۱