وأن يكون بمعنى عدم كون الدم ثاقباً ، فإنه لا مناص مما أفاده ، لإطلاق الصحيحة من حيث وجوب الغسل حينئذ ، فيرفع عنه اليد بدلالة الموثقة على وجوب الغسل معه.

إلاّ أنك عرفت أن ما أفاده قدس‌سره ليس بتام ، لعدم كون الجملة الثانية مفهوماً للجملة المتقدمة عليها ، بل الظاهر أنها مقيدة لإطلاق الجملة الأُولى نظير قوله تعالى ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا المقيد لإطلاق قوله عزّ من قائل ﴿ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... (١).

ومع الغض عنه فإن كون « إن لم يجز » بمعنى إن لم يثقب وإن كان محتملاً حينئذ إلاّ أنه يحتمل أن يكون قوله « إذا ثقب الدم » بمعنى إذا تجاوز الدم ، فإن اللازم هو أحد هذين التصرفين في الجملتين بناء على أن الجملة الثانية مفهوم للجملة السابقة عليها وأمّا تعيين خصوص الأول فهو مما لا مرجح له.

ومعه تصبح الموثقة مجملة لو لم نقل برجحان المحتمل الثاني ، لدلالة سائر الروايات كصحيحة زرارة على أن وجوب الأغسال الثلاثة إنما هو مع تجاوز الدم عن الكرسف لا مع كون الدم ثاقباً فقط ، فإن التجاوز والثقب لو كان مجملاً فإنما هو

كذلك في هذه الرواية ، وأمّا بقية الروايات فلا إجمال في شي‌ء منها ، وهو ظاهر.

المناقشة الرابعة : مع الغض عن جميع المناقشات المتقدمة لا دلالة في الصحيحة على أن إيجاب الوضوء عند عدم كون الدم ثاقباً إنما هو فيما إذا كان الدم أحمر ، بل الصحيحة مطلقة من هذه الجهة ، فأيّ مانع من حملها على الدم الأصفر بقرينة موثقة سَماعة الدالة على أن الدم الأحمر إذا لم يثقب الكرسف وجب فيه الغسل ، حيث ورد في ذيلها « هذا إن كان دمها عبيطاً ».

وبه ترتفع المنافاة بينهما وتكون الأخبار الواردة في المقام بعد تقييد مطلقها بمقيدها وإرجاع بعضها إلى بعض ، دالّة على أن الدم الأحمر يدور أمره بين وجوب الأغسال الثلاثة معه كما إذا كان ثاقباً ، وبين وجوب الغسل الواحد كما إذا لم يثقب ، وأمّا الدم‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

۴۲۴