وأما على الوجه الثالث : فبأن الأحكام الشرعية تارة : تكون مستندة إلى أحكام عقلية ، وأخرى : لا تكون مستندة إليها.
فالأولى : حيث إنها بعين الملاك الذي يستقل العقل بحسنه ، فحالها حال الحكم العقلي.
وقد بيّنا مرارا (١) أن الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية حيثيات تقييدية لها ، وأن الأغراض في الأحكام العقلية عناوين لموضوعاتها. فالضرب مثلا بما هو تأديب حسن ، لا أنه حسن للأدب المرتب عليه ، وأنه الباعث على استقلال العقل بحسنه ، بل التأديب بعنوانه المندرج تحت عنوان الاحسان حسن ، سواء انطبق على الضرب أو على غيره.
وبالجملة : فمثل هذا الحكم الشرعي حيث إنه بملاك الحسن العقلي ، فلا محالة حاله حاله في تحصيل الفعل بما هو معنون بالعنوان الحسن.
والثانية : حيث إنها بملاك مولوي في نظر الشارع ، وقد مرّ (٢) وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ أن الملاكات المولوية الشرعية لا يجب أن تكون عين الملاكات الموجبة لاتّصاف الأفعال بالتحسين والتقبيح العقلائيين ، فلا محالة تكون الأغراض متمحضة في كونها حيثيات تعليلية ، ولا موجب لكونها حيثيات تقييدية ، إذ لا يتصف الفعل بأنه واجب شرعي إلا إذا وقع في حيز البعث والتحريك ، ولا موقع للاتصاف به واقعا وظاهرا إلا من حيث تعلق البعث به ، والمفروض تعلق البعث بنفس الفعل.
وكذا حال الارادة التشريعية ، فان البعث منبعث عنها ، فلا يتسبب المولى
__________________
(١) منها في مبحث مقدمة الواجب. نهاية الدراية ١ : التعليقة ٢٨٨ و ٢٩٠.
ومنها في مبحث اجتماع الامر والنهي. نهاية الدراية ٢ : التعليقة ٥٠.
(٢) في مبحث حجية الظن. نهاية الدراية ٣ : التعليقة ١٤٥. وفي مبحث البراءة ، التعليقة ٣٠.