[ التنبيه الثالث ]
٥٥ ـ قوله (قدّس سره) : ان النهي عن شيء إذا كان بمعنى طلب تركه (١) ... الخ.
تحقيق المقام وبيان ما يجري فيه البراءة من الأقسام يستدعي بسطا في الكلام ، فنقول : إن طلب فعل شيء أو تركه يتصور على وجوه :
منها : تعلق الطلب بصرف وجود الشيء ، وفي قباله تعلق الطلب بصرف العدم ، وقد يعبر عن الأول بالوجود اللابشرط ، ويناقض العدم الكلي ، وعن الثاني بالعدم المطلق والعدم الكلي ، ويقال : إن لازم الأول تحقق الطبيعة بأول وجود منها ، وإن لازم الثاني عدم انتفاء الطبيعة إلا بانتفاء جميع أفرادها.
والتحقيق ما بيناه في غير مقام أن وجود كل طبيعة ليس نقيضه إلا عدمه البديل له ، وليس كل وجود إلا طاردا وناقضا لعدم ما يضاف إليه الوجود بحده ، ولا يعقل أن يكون ناقضا للعدم الكلي والعدم المطلق.
فوجود كل طبيعة متخصصة بما أخذ فيها بديله عدم تلك الطبيعة الخاصة بحدها.
فما اشتهر من أن وجود الطبيعة بوجود فرد ما وانتفاؤها بانتفاء جميع الأفراد لا أصل له ، بل بديل ذلك المحقق لتلك الطبيعة هو عدمه المطرود به ، لا عدم مطرود بغيره.
وأما انتقاض العدم باول وجود من الطبيعة ، وبقاؤه على العدم بعدمه ، فليس من حيث إن العدم المطلق بديله ونقيضه ، بل بديله في الحقيقة هو عدم أول
__________________
(١) كفاية الاصول / ٣٥٣.