قلت : الارادة الجزافية التي يقول بها الأشاعرة مستحيلة عندنا ، لرجوعها إلى جواز الترجح بلا مرجح ، وهو مساوق لوجود المعلول بلا علة ، فلا محالة تكون الارادة منبعثة عن خصوصية موجبة للامتنان على العبد ، ولو كانت تلك الخصوصية موجبة للجواد الكريم والرءوف الرحيم دون غيره فلا يحسن الذم منه ، وإن حسن من غيره.

والعبرة ـ في باب استحقاق الذم والعقاب ـ باستحقاقهما من الشارع ، فان التمسك بالاستحقاق عند العقلاء لأجل أن الشارع رئيس العقلاء وواهب العقل ، وإلا فالاعتبار بحسن الذم والعقاب منه تعالى.

ولا منافاة بين حسن الذم منه بما هو عاقل ، وعدم حسن الذم منه تعالى بما هو جواد كريم ، فافهم وتدبر. هذا كله إن كان الاستحقاق بحكم العقلاء.

وإن كان بجعل الشارع ، فمعناه الوعد على الفعل بالثواب ، والتوعيد عليه بالعقاب ، وفعليتهما عبارة عن إيفائه بوعده ، وتصديقه لتوعيده ، وإذا وجد هناك مانع عن تصديقه لوعيده من توبة ، أو حسنة مكفرة للسيئة ، فلا محالة يمنع من بقاء توعيده ، ويكون محددا لا يعاده بالعقاب بما إذا لم يحصل منه توبة مطهرة أو حسنة مكفرة.

وكذا الأمر في المانع البدوي عن تصديقه لوعيده ، فانه مخصص لتوعيده بما إذا قام عليه البيان ، وبلّغه الرسول مثلا ، فليس الفعل هنا موعدا عليه بالعقاب حدوثا ، وفي غيره بقاء. فتدبر جيدا.

ثم إنه ربما يورد (١) على أصل الاستدلال بالآية ، بأن سياقها يقتضي إرادة العذاب الدنيوي دون الأخروي ، ونفي أحدهما قبل اتمام الحجة لا يلازم نفي الآخر.

__________________

(١) لم نجد المورد فيما بايدينا من الكتب.

۴۶۴۱