ومن الواضح : أن التضاد والتماثل بين الفعليّين من البعث أو الزجر ، لا بين الانشائيّين منهما ، ولا بين الفعلي والانشائي.
وحيث إن البعث المفهومي الانشائي لا أثر له ، فلا يترتب على القطع به شيء ، ولا التعبد به ذو أثر. فلذا عدل (قدّس سره) عن هذا المسلك في هذا الكتاب ، والتزم بفعلية الواقع من وجه ، بحيث يكون له أثر عند تعلق العلم به.
والكلام في تحقيق حال الفعلي من وجه والفعلي من جميع الجهات ، فانه بظاهره لا يخلو عن شيء : إذ لو كان كل منهما واجدا لملاك الفعلية ، وكان التفاوت بالمرتبة ، فتعدد المراتب لا يرفع التضاد والتماثل بعد كونهما واجدا للحقيقة التي بين أفرادها التماثل ، أو الحقيقتين اللتين بين أفرادهما التضاد.
ولو كان الفعلي من جهة فعليّا من قبل بعض مبادئه ، فالفعلي بالحقيقة تلك المقدمة لا ذوها ، بل هو باق على الشأنية كما مر تفصيله في مباحث القطع (١).
وما أفاده (قدّس سره) في البحث في مقام بيان الفعلي من جهة ، ومن جميع الجهات ـ كما ربما يساعده بعض عباراته في أوائل مباحث القطع (٢) ـ هو أن الغرض الباعث على التكليف : ربما يكون بحدّ يبعث المولى إلى جعله فعليا منجزا بايصاله ، ولو بنصب طريق موافق ، أو بجعل احتياط لازم ، ودفع موانع تنجزه بأي نحو كان.
ومثله يستحيل الترخيص في خلافه ؛ لأنه نقض للغرض.
وربما لا يكون الغرض بذلك الحدّ ، بل يدعوه إلى التكليف بحيث إذا وصل إلى المكلف من باب الاتفاق لتنجّز عليه ، فهو فعلي من حيث نفسه ، لا من حيث إيصاله إلى المكلف.
__________________
(١) نهاية الدراية : ٣ ، التعليقة : ٣٠.
(٢) كفاية الأصول : ٢٦٧.