فلم يبق إلا اعتبار الطهارة والنجاسة والحدث في عين أو شخص ، على حدّ اعتبار المالكية والمملوكية لمصلحة تدعو الى اعتبارها.
ويمكن أن يقال : إن النجس وما يساوقه مفهوما ـ كالرجس والدنس والقذر ـ ما يوجب تنفّر الطبع في قبال الطاهر الذي ليس فيه ما يوجب تنفر الطبع ، وتنفر الطبع ليس إلا بلحاظ عدم الملاءمة لقوة من القوى ، فما فيه رائحة منتنة غير ملائم للشامة ، وما كان كريه المنظر غير ملائم للباصرة ، وما كان مرّا للذائقة ، وما كان خشنا للامسة ، وهكذا بالاضافة إلى القوى الباطنة.
واقتضاء شيء لتنفر الطبع السليم أمر واقعي لا يزيد في الوجود على المقتضي ، بل هو ذاتي المقتضي إذا قلنا بأن خصوصية الفاعلية والاقتضاء في الفاعل والمقتضي ليست من الكيفيات الاستعدادية بل ذاتي العلة ، كما عليه بعض الأكابر (١) ، وإلا كانت داخلة في الكيفيات الاستعدادية.
ومن الواضح أن اقتضاءات الاعيان الخارجية المحسوسة لآثار موجبة لتنفر الطبع تختلف بالاضافة إلى الأشخاص علما وجهلا.
فالجاهل وإن لم يتنفر طبعه لتقوّمه وجدانا بالادراك ، لكن عدم فعلية تنفر الطبع لا ينافي وجود الاقتضاء واقعا.
وحيث إن الطهارة وما يقابلها بهذا المعنى ، فهما من المعاني العامة التي لا تختص بالاعيان الخاصة.
بل القلب المشحون بالعقائد الباطلة نجس خبيث ، فيوجب تنفر الطبع السليم والعقل المستقيم ، فانها نقص للنفس ، وهو مما يتنفر منه الطبع ، وازالتها
__________________
(١) الأسفار الأربعة ٢ / ٢٢٦.