البعد.

مع أن الجنابة حالة تحصل للنبي والوصي والمؤمن ، وحاشاهم من اتصاف نفوسهم الكاملة بصفة نقص أو خلق رذيل. مع ان خروج المني ، أو مس الميت ، أو النوم لا يوجب حدوث خلق رذيل في النفس ، بل ربما تقع هذه الأمور على وجه العبادية المكملة للنفس.

مع أن الملكة الرذيلة النفسانية لا تزول بالغسل والوضوء ، بل بضد تلك الحالة ، ولعله لذا ورد عنهم (عليهم السلام) إن المؤمن لا ينجس ، وإن الوضوء والغسل من حدود الله تعالى (١).

وعليه فيدور الأمر في الطهارة وما يقابلها بين أن يكونا حكمين تكليفيين ، أو أمرين انتزاعيين من الحكم التكليفي ، أو من غيره ، أو اعتبارين وضعيين شرعيين ، على ما نراه من اعتبار معنى مقوليّ أو غير مقولي ، كما في اعتبار الملكية ، أو اعتبار الوضع والارتباط بين اللفظ والمعنى.

وقد ذكرنا في غير مقام : أن مفاهيم هذه الألفاظ غير مفاهيم وجوب شيء وإباحة شيء ، فلا يصح حمل إحداهما على الأخرى بالحمل الذاتي ولا بالحمل الشائع ، فلا وجه لجعلهما عين الحكم التكليفي ، وأن قيام الأمر الانتزاعي بمنشئه يصحح حمل العنوان المأخوذ منه عليه ، على حد قيام شيء بشيء انضماما.

مع أنه لا يصح حمل العنوان المأخوذ من الطهارة وما يقابلها على الحكم ، بل على متعلق الحكم ، كما لا يصح انتزاعهما من الأسباب للوجه المزبور ، وأما انتزاعهما عن الأعيان أو عن البدن أو النفس ، فقد عرفت ما فيه آنفا.

__________________

(١) المحاسن ١ : ١٣٣ ، باب خلق المؤمن من طينة الانبياء ، وعنه بحار الانوار ٨٠ / ١٢٧ ، وإليك نص الرواية : عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : إنّما الوضوء حدّ من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وإنّ المؤمن لا ينجسه شيء ، إنّما يكفيه مثل الدهن.

۴۶۴۱