المقامين ، وهذا ما يمكن تصويره بأحد وجوه :
الأول ـ ان السيرة كلما كانت أعمق وأكثر رسوخا في وجدان العقلاء وارتكازهم كانت بحاجة إلى ردع أقوى وأوضح بحيث قد لا يكتفي لبعض مراتبها بمثل العمومات والمطلقات الكلية بل لا بد من الصراحة والتنصيص ، ويدعى ان السيرة العقلائية على حجية خبر الثقة قد بلغت من الرسوخ والارتكاز إلى تلك الدرجة بخلاف السيرة على الاستصحاب.
الثاني ـ ما أفاده السيد الأستاذ من ان الأدلة المذكورة بعد عدم إمكان جعلها رادعة للسيرة ولا مخصصة بها يشك في حجية خبر الثقة فيمكن استصحابها لثبوت الإمضاء في أول التشريع وقبل صدور تلك الأدلة (١) فتثبت الحجية هناك ، واما هنا فحيث ان البحث في حجية الاستصحاب فبعد الشك والتردد لا يمكن إثبات نتيجة الحجية بالاستصحاب.
وهذا الوجه غير تام إذ يرد عليه :
أولا ـ ان مدرك الاستصحاب خبر الثقة فكيف يمكن إثبات حجية خبر الثقة به.
وثانيا ـ ان خصوص أصالة عدم النسخ ثابتة بالإجماع ونحوه من الأدلة اللبية حتى إذا أنكرنا حجية كبرى الاستصحاب فيمكن التعويل عليه في المقامين.
الثالث ـ ان أدلة النهي عن العمل بالظن لا ربط لها بنفي الحجية الثابتة بالسيرة لا في المقام ولا في خبر الثقة لأنها تطلب الركون في النهاية إلى العلم وهذا حاصل في موارد الحجج أيضا وانما المهم في الردع مثل اخبار البراءة وهي باعتبارها ثابتة بخبر الواحد فلا يمكن ان يكون رادعا عن حجيته بخلاف المقام بعد الفراغ عن حجية خبر الثقة.
وهذا الوجه مبني على القول بكفاية عدم ثبوت الردع في حجية السيرة والا لم تثبت حجية خبر الثقة أيضا لاحتمال رادعية اخبار البراءة.
الرابع ـ ان السيرة على العمل بخبر الثقة على ما يستفاد من كلام المحقق
__________________
(١) يمكن ان يناقش في ثبوت الإمضاء في صدر التشريع خصوصا لمثل السيرة على الاستصحاب الّذي لا يحرز ثبوته في الأحكام المولوية والشرعية ، نعم الثابت في صدر التشريع عدم الردع وهو غير الإمضاء ، فأصل هذا الوجه محل إشكال.