وكلا المدركين غير تام لوضوح ان الأمور الانتزاعية ليست خيالية بل واقعية ، ولهذا لا يمكن للعقل ان لا ينتزع اعتبار الفوقية للفوق ، ولو فرضت اعتبارية فهذا لا يعني عدم إمكان دخالتها في الحكم الشرعي إذ ليس المقصود من الدخالة العلية والإيجاد على ما حقق في محله ، كما ان الارتكاز والفهم العرفي على العكس يرى واقعية هذه الصفات ويتعامل معها كما يتعامل مع المحمولات بالضميمة ويوليها أهمية وخطورة كبيرة.
واستعرض المحقق الخراسانيّ أمثلة لموارد استصحاب منشأ الانتزاع وترتيب آثار العنوان الانتزاعي لا بأس بذكرها والتعليق عليها.
منها ـ استصحاب بقاء حياة ذات الزوج أو الزوجة وترتيب آثار الزوجية.
وفيه : ان الزوجية بنفسها حكم شرعي وضعي موضوعه ذات الزوج أو الزوجة فيترتب على استصحاب حياتهما بلا ربط بمسألة الأمر الانتزاعي ولا بالأصل المثبت.
ومنها ـ الملكية التي تترتب باستصحاب حياة ذات المالك.
وفيه : ما تقدم من ان الملكية حكم شرعي موضوعها ذات المالك فتترتب أيضاً بلا ربط بمسألة الأصل المثبت.
ومنها ـ ما جاء في الحاشية من الملكية في باب الوقف ، ولعله يقصد ان استصحاب بقاء حياة ذات الموقوف عليه كالبطن الأول مثلاً لا يثبت عنوان كونه الموقوف عليه لو لا ما تقدم منه من انه أمر اعتباري ليس له ما بإزاء في الخارج.
وفيه : ان دليل إمضاء الوقف يثبت شرعاً نفس ما أثبته الواقف من التمليك على ذات الموقوف عليه لا الموقوف عليه بما هو موقوف عليه فان هذا العنوان ينتزع في طول الوقف.
ومنها ـ ما لو نذر التصدق ما دام ابنه حياً مثلا فان استصحاب بقاء ابنه لا يثبت عنوان النذر الّذي يجب الوفاء به إلاّ على أساس ما تقدم.
وفيه : انَّ وجوب الوفاء بالنذر ان اعتبرناه كوجوب الوفاء بالعقد والوقف فموضوعه ذات الشيء المنذور والنذر حيثية تعليلية فيكون استصحاب الحياة منقحاً لموضوع وجوب التصدق في المثال ، وان كان عنوان النذر حيثية تقييدية أمكننا استصحاب بقاء النذر وعدم انتهاء أمده فان النذر كتعهّد والتزام أيضاً له حدوث وبقاء بحسب النّظر العرفي فيتنقح موضوع وجوب الوفاء به.