وهذا البيان يكون اعتراضا جديدا على فرض كون المناقشة الأولى المتقدمة من ان الإطلاق ليس جمعا للقيود إثباتيا فقط حيث يقال بأنا حتى لو فرضنا الإطلاق جمعا بين القيود إثباتا مع ذلك لا يمكن استفادة الحكمين الواقعي والظاهري من الإطلاق لأن الجعل المنكشف ثبوتا واحد على كل حال وهو اما ان يؤخذ فيه الشك أم لا ولا شق ثالث وعلى كل منهما لا يثبت الا أحد الحكمين لا كلاهما ، واما إذا فرضت تلك المناقشة ثبوتية أيضا كما هو الصحيح ـ فيرجع هذا البيان إلى تلك المناقشة وان الجمع بين القيود بالنحو المطلوب في المقام يؤدي إلى تعدد موضوع الجعل ثبوتا والجمع بين تعدد الموضوع بهذا المعنى ووحدة الجعل والحكم تهافت كما انها لا ترد هذه المناقشة بناء على التطوير المتقدم منا لكلام صاحب الكفاية ( قده ) لأن المأخوذ في الجعل الواحد ان لا يكون الشيء خمرا معلوم النجاسة مثلا فإذا لم يكن خمرا كانت طهارته واقعية لا ترتفع بالشك وان كان خمرا مشكوك النجاسة كانت طهارته ظاهرية (١).
البيان الثالث ـ لزوم التهافت بحسب عالم الجعل واللحاظ لأن جعل الحكم الظاهري يستدعي لحاظ الحكم الواقعي مفروغا عنه ليفرض الشك فيه بينما جعل الحكم الواقعي يستلزم لحاظه غير مفروغ عنه ليوجد بنفس هذا الجعل فلو أريد استفادة الحكمين من دليل جعل واحد لزم التهافت في كيفية لحاظ الحكم الواقعي حيث لا بد من تصوره في لحاظ واحد بنحوين تارة بما هو شيء لإثبات طهارته واقعا وأخرى بما هو مشكوك طهارته الواقعية لإثبات طهارته ظاهرا وهذا تهافت محال.
وهذا البيان انما يرد بناء على تقريب صاحب الكفاية ( قده ) حيث كان يرى شمول الحديث لكل شيء مرتين مرة بعنوان كونه شيئا لإثبات حكمه الواقعي وأخرى
__________________
(١) الإنصاف انه يمكن إرجاع هذا البيان إلى مناقشة جديدة غير ما تقدم وحاصلها : أنه لا يمكن الجمع بين الحكمين الظاهري والواقعي في خطاب واحد حتى إذا افترضنا الإطلاق جمعا بين القيود لأن الخطاب الواحد سواء كان مطلقا أو عاما لا يتكفل الا جعلا واحدا. وحينئذ ان أريد استفادة الحكمين الواقعي والظاهري على أساس ان هناك جعلين مستقلين ثبوتا قد أبرزا بخطاب واحد فهذا خلف ما افترضناه من أن الخطاب الواحد لا يتكفل الا جعلا واحدا وان أريد استفادة ذلك على أساس تصوير جعل واحد جامع بين المطلبين ولو بعنوان طهارة ما لا يكون معلوم النجاسة ـ كما في الصيغة المطورة لكلام صاحب الكفاية ـ ويكون هذا الجعل الواحد في مورد غير الخمر الواقعي طهارة واقعية وفي مورد الخمر الواقعي المشكوك طهارة ظاهرية فمثل هذا الجعل الواحد تكون وحدته في عالم الصياغة والتلفيق فقط والا فروح الحكم في مورده متعدد لتباين روح الحكم الواقعي عن الحكم الظاهري فلا يمكن استفادتهما معا من خطاب واحد عرفا فانه أشبه باستعمال اللفظ الواحد في معنيين بلحاظ مرحلة المدلول الجدي.