الهلكات».
إنّ مورد التثليث الوارد في كلام الوصيّ هو الشبهات الحكميّة ، وحاصل التثليث أنّ ما يبتلى به المكلّف إمّا بيّن رشده فيتّبع ، وإمّا بيّن غيّه فيجتنب ، وامّا الأمر المشكل فلا يفتي بما لا يعلم حتى يرجع حكمه إلى الله.
والجواب انّ التثليث في كلام الوصيّ ينسجم مع الطائفة الأولى من حرمة الإفتاء بغيرعلم.
وأمّا التثليث في كلام الرسول ، فموردها الشبهات الموضوعيّة التي يقطع بوجود الحرام فيها ، وهي تنطبق على الشبهة المحصورة ، حيث إنّ ظاهر الحديث أنّ هناك حلالا بيّنا ، وحراما بيّنا ، وشبهات بين ذلك ، على وجه لو ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ولو أخذ بها ارتكب المحرمات ، وهلك من حيث لا يعلم وما هذا شأنه فهو خارج عن الشبهة البدويّة التي هي محل النزاع ، ومنطبق على الشبهة المحصورة.
وإن شئت قلت : إنّ الرواية ظاهرة فيما إذا كانت الهلكة محرزة مع قطع النظر عن حديث التثليث ، وكان اجتناب الشبهة أو اقترافها ملازما لاجتناب المحرمات واقترافها ، حتى يصحّ أن يقال : «فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات» وما هذا شأنه لا ينطبق إلاّ على الشبهة المحصورة لا الشبهة البدوية التي لا علم فيها أصلا بالمحرمات.
وأنت إذا استقصيت روايات الباب تقف على أنّ أكثرها لا مساس لها بمورد البراءة ، وما لها مساس محمول إمّا على الاستحباب ، أو التورّع الكثير.
ج : الاستدلال بالعقل
نعلم إجمالا ـ قبل مراجعة الأدلّة ـ بوجود محرمات كثيرة في الشريعة التي