ففطرة التوحيد ثابتة في جميع البشر غير أنّها تحتاج إلى أدنى إشارة وتنبيه ، وإليه أشير في قوله تعالى ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا : بَلى (١) وليس المراد من الفطرة فطرة الإسلام ، للقطع بعدم كون الإسلام فطرياً ، كيف وممّا يتقوم به الإسلام النبوّة الّتي تتوقف على المعجزة والإثبات وليست أمراً فطرياً يعرفه كل بشر.

نعم ، ورد تفسير الفطرة في بعض الأخبار بالإسلام (٢) إلاّ أن ذيله شاهد على أنّ المراد به هو السلم لله أي الإقرار بالتوحيد وليس المراد به الإسلام المصطلح عليه من الإقرار بالتوحيد والنبوّة والمعاد ، كما هو المراد منه في قوله تعالى إخباراً عن إبراهيم عليه‌السلام ﴿ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً (٣) لأنّه عليه‌السلام لم يكن مسلماً بالمعنى المصطلح عليه قطعاً ، وإنّما أسلم لله سبحانه ، أي اعترف بالتوحيد ، ومنه « أسلمت وجهي لله » كما في الدُّعاء ، وكيف كان فلا يمكن التشبث في المقام بحديث الفطرة بوجه.

الوجه في قولهم في اللقيط

بل الوجه فيما ذكروه : أنّ الحكم الشرعي قد يترتب على عنوان الإسلام كما في اشتراط جواز التزويج بالكفاءة من حيث الإسلام ، فلا يجوز تزويج غير المسلمة كما أنّه لا يجوز أن تتزوج بغير المسلم ، وفي مثله إذا شكّت المرأة مثلا في أنّ الرّجل الّذي تريد أن تزوج نفسها منه مسلم أو كافر ، فمقتضى استصحاب عدم اتصافه بالإسلام عدم جواز تزويج نفسها منه ، لأنّ الإسلام صفة حادثة مسبوقة بالعدم يثبت عدمها بالاستصحاب.

وقد يترتب الحكم الشرعي على عنوان الكفر كالنجاسة وعدم وجوب التغسيل لأنّ العموم والإطلاق دلاّ على الطهارة في كل شخص ووجوب التغسيل لكل ميت‌

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٢) البرهان في تفسير القرآن ٣ : ٢٦١.

(٣) آل عمران ٣ : ٦٧.

۴۲۴