حاجة إليه مع الندم القلبي وإن كان أحوط ، ويعتبر فيها العزم على ترك العود إليها. والمرتبة الكاملة منها ما ذكره أمير المؤمنين عليه‌السلام.


سوى الرجوع وله لازمان :

أحدهما : الندم على عصيانه ، إذ لو لم يندم على ما فعله لم يكن رجوعه رجوعاً حقيقياً عن التمرّد والخروج.

وثانيهما : العزم على عدم العود ، لوضوح أنّه لولاه لم يكن بانياً على الدخول في طاعة الله سبحانه ، بل هو متردِّد في الدخول والخروج ، وهذا بنفسه مرتبة من مراتب التعدِّي والطغيان ، فانّ العبد لا بدّ أن يكون بانياً على الانقياد في جميع الأزمان ، إذ لو لم يعزم على الطاعة وعدم الطغيان كان متردداً في الطاعة والعصيان كما عرفت ، وهو قبيح حتّى فيما إذا لم تسبقه المعصية أصلاً كما إذا كان في أوّل بلوغه فإنّه لا بدّ من أن يعزم على عدم الاقتحام في العصيان ، وهذان الأمران من لوازم الرجوع لا أنّهما حقيقة التوبة.

وأمّا الاستغفار اللّفظي وقول اللهمّ اغفِر لي ، أو أستغفر الله ونحوهما فهو غير معتبر في حقيقة التوبة ولا أنّه من لوازم الرجوع ، لأنّ الاستغفار بمعنى طلب الغفران ، والتوبة بمعنى الرجوع فهما متغايران مفهوماً ومصداقاً.

ويدلُّ على عدم اعتباره في التوبة ومغايرتهما مضافاً إلى وضوحه في نفسه قوله تعالى ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (١) فإنّ العطف بـ « ثمّ » يدل على ما ذكرناه فقد دلّت الآية المباركة على أنّ العبد الآبق يطلب المغفرة من ذنوبه أوّلاً وإن لم يرجع ولم يتب ، لأنّه سبحانه غافر الذنوب ، وبعده يرجع إلى الله بالإضافة إلى ما يأتي. نعم الأحسن أن يكون رجوع الآبق بقلبه ولسانه ، وأن تكون توبته واقعية وظاهرية بقول اللهمّ اغفر لي ونحوه.

__________________

(١) وقعت هذه الجملة المباركة في سورة هود في ثلاثة مواضع آية ٣ ، ٥٢ ، ٩٠ باختلاف يسير في أوّلها.

۴۲۴