فلو أمكن دخل الحبّ الأصلي في الحب التبعي ، لكان إما بنحو الشرطية أو بنحو الاعداد ، والشرط ليس إلا ما يصحح فاعلية الفاعل ، أو ما يتمم قابلية القابل ، والمعد ليس إلا ما يقرّب الأثر إلى مؤثره والمعلول إلى علته.

وكلاهما في مورد يكون له سبب ومقتض يترشح الميل والحب منه حتى يتوقف على ما له دخل في تأثيره أو على ما يقرب الاثر من مؤثره.

ومن الواضح : أن أصل حب الذات لذاته ولما يلائم ذاته ، أمر فطري طبعي جبلي ، لا لاقتضاء أمر خارج عن ذاته ، حتى وجود ما فيه فائدة عائدة إلى جوهر ذات الفاعل ، أو إلى قوة من قواه ، لا بوجوده الخارجي ولا بوجوده العلمي :

أما وجوده الخارجي ، فهو منبعث عن حبه له ، فكيف ينبعث حبه عنه؟

والتذاذ النفس بتأثرها ـ أو تأثر قوة من قواها بنيل المحبوب ـ لا دخل له بالحب ، بل هو أمر متأخر عن وجود ما يوجب الالتذاذ.

وأما وجوده العلمي ، فلأنه تصديق بكون الشيء محبوبا بالجبلة والفطرة ، لا موجب لحبه بالفطرة ، فلو لم يكن ما فيه الفائدة محبوبا بالجبلة والفطرة لم يوجب تصوره والتصديق به حبه له ، بل الحب الكلي الجبلي يتخصص بهذا الجزئي ، بعد تصوره وتصديقه ، لا أنه مقتض لتحققه ومما يترشح منه.

فاذا عرفت منشأ الحب في نفسه ، فنقول :

الاشياء تتفاوت في محبوبيتها بالفطرة ، فبعضها محبوب بذاته لما فيه من الفائدة العائدة إلى الشخص ، وبعضها محبوب لكونه مما يتوصل به إلى المحبوب الذاتي ، فتصور المقدمة تصور ما هو محبوب توصلي ، لا موجب له.

فمنشأ الحب واحد ، لكنه تارة بالذات ، وأخرى بالعرض ، لا أن هناك مقتض لوجود الحب التبعي ، ويتوقف تأثيره أو قربه إليه على وجود الحب الذاتي ، فمقدمة المحبوب محبوبة بالفطرة ، والحب الذاتي بمنزلة علل القوام

۴۶۴۱