وأما منجزية الحجة الواقعية ، ليكون احتمالها احتمال المنجز ، فقد عرفت (١) سابقا برهانا : أن الحكم مطلقا ـ طريقيّا كان أو حقيقيّا ـ لا يصير فعليّا إلاّ بوصوله حقيقة ، لا بحيث إذا تفحص عنه لوصل ، خصوصا في الأول ، بخلاف منجزية احتمال الحجة للحجة ، فإنه معقول ، لكنه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه عقلا.
وأما الدليل النقلي ، فيكفي فيه الأدلة الدالة على التفقه وتحصيل العلم بالأحكام ، إذ بعد ما عرفت أن العلم بالتكليف العملي ليس مطلوبا نفسيا ، لا منشأ للإلزام به إلاّ من حيث الوقوع في عقاب مخالفة الواقع ، لو لم يتفحص عنه ولم يتفقه فيه.
ومن الواضح أن العقاب على مخالفة الواقع بما هي غير معقول ، فلا بد من فرض المنجز ، ووجود الطرق الواقعية بما هي غير منجزة ، لأنها كالواقعيات ، فلو أمكن تنجز الواقع بما هو ، لما كانت حاجة إلى تنجيزها بمثلها ، فلا محالة يكون المنجز هو الاحتمال ، وحيث إن احتمال التكليف لا يتفاوت تنجيزه بالفحص وعدمه ، فالمنجز هو احتمال الطريق من قبيل منجز المنجز ، بأن جعل احتماله للاهتمام به في تنجيز الواقعيات بمنزلة وصوله وقد عرفت أن مثله يتفاوت حاله قبل الفحص وعدمه.
ويمكن أن يقال : بأن الفحص والسؤال بعد ما لم يكن ذا مصلحة نفسية ليكون واجبا نفسيا ، ولا ذا مصلحة مقدمية ليكون واجبا مقدميا ، لأن العلم الحاصل بالفحص ليس مقدمة وجودية للعمل ، ولا معنى للايجاب للغير في قبال الوجوب النفسي والغيري ، فإنّ الايجاب بداعي جعل الداعي لا يعقل إلاّ مع المصلحة المترتّبة على فعل المكلف بأحد النحوين.
__________________
(١) في التعليقة : ١٢٥.