مقام الانشاء بداعي جعل الداعي قيد في الحقيقة لصيرورته مصداقا لجعل الداعي دائما ، وإلا فالانشاء حاصل ، وكيف يعقل إناطته بأمر غير حاصل؟ فكون الانشاء بداعي جعل الداعي ـ تام الاقتضاء وفعليا من قبل المولى ـ إنما يستكشف بتجرده عن القيد في مقام الانشاء بداعي جعل الداعي.

وأما الانشاء بلا داع ، فهو محال في نفسه ، كما أن الانشاء ـ بداع آخر غير جعل الداعي ـ ليس من مراتب الحكم الحقيقي ، ولا يترقب منه فعلية البعث والزجر ، بل فعليته فعلية ما أنشئ لأجله.

فلا محالة ينحصر الانشاء المترقب منه فعلية البعث والزجر في الانشاء بداعي جعل الداعي ، وإطلاقه وتجرده عن القيد يكشف عن كونه مصداق البعث والزجر فعلا ، لا معلقا على شيء.

إلاّ أن هذا الاطلاق إنما يجدي في نفي القيود الدخيلة في فعلية الحكم شرعا ، لا القيود الدخيلة في فعليّته البعثية والزجرية عقلا ، كالقدرة والوصول ، والابتلاء على القول بدخله بحكم العقل ، ولا معنى لدفع قيدية ما لا دخل له بالشارع بتجرد خطابه عنه ، كما هو واضح.

وربما يقال (١) : بدخل الابتلاء الذي هو من شئون القدرة في ملاك النهي ، نظرا إلى أنه وان لم يكن دخيلا في مفسدة الفعل ، إلا أنه دخيل في مبغوضية الصدور من المكلف ، وهي الملاك الأخير لصدور النهي.

وكذا يستكشف الملاك الأول من النهي ، فاذا احتمل عدم المفسدة ، أو عدمها الا على تقدير مخصوص ، يكون إطلاق النهي كاشفا عن أصلها وعن إطلاقها ، كذلك الملاك الأخير.

وكذا حسن التكليف أو قبحه ، كحسن الفعل أو قبحه يستكشف بالأمر

__________________

(١) القائل هو المحقق النائيني قده. أجود التقريرات ٢ / ٢٥١ و ٢٥٢.

۴۶۴۱