لوجود البياض فعدمه علة عدم البياض. ومن الواضح ان عدمه ليس إلاّ السواد ـ لأن نفي النفي إثبات ـ فيكون السواد علة عدم البياض ، والمفروض ان عدم البياض علة للسواد بملاك المقدمية فيلزم الدور ، ويكون وجود أحد الضدين علة لعدم الآخر في الوقت الّذي يكون عدم الآخر علة لوجود ذلك الضد.
وقد يدفع هذا التقريب للدور بما ذكره قدسسره دفعا لتقريب آخر للدور ذكره هو. وهو وجهان :
الأول : ان العدم لا علة له لأنه غير قابل للتأثر فلا يحتاج إلى فاعل وقابل.
الثاني : انه لو سلم ان العدم له علة ، فعلة عدم الضد عدم عدم الضد الآخر ، وهو ليس نفس الضد ، إذ عدم العدم مفهوم سلبي لا يصلح للانطباق على الأمر الوجوديّ ، وإلاّ لزم انقلاب ما حيثية ذاته طرد العدم إلى ما ليس كذلك (١).
والتحقيق ان كلا الوجهين لا ينهضان على رفع الدور.
اما الأول : فلما عرفت من انه يتنافى مع ما عليه الوجدان وتصريحات أهل الفن من تعليل العدم بوجود المانع. بل هو قدسسره اعترف بذلك ، لكنه ادعى ان هذا علة تقريبية لا علة واقعية حقيقية ، لأن العدم لا يقبل التأثر. فاستناد العدم إلى عدم العلة استناد حقيقي لا تشوبه شائبة المسامحة والتجوز ، لكنه لا بنحو استناد المعلول إلى العلة ، فليكن كذلك فانه يكفينا صحة كون منشأ العدم عدم العلة ولو لم يكن بنحو العلية ، لأنه يكفي في تحقق التقدم الرتبي لعدم العلة على عدم المعلول. فيلزم الدور.
__________________
(١) الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ٢٢٠ ـ الطبعة الأولى.