وقد حاول المحقق العراقي ـ كما جاء في تقريرات بحثه ـ نفي صحّة القول باختصاص الوجوب الغيري بالعلّة التامّة عن طريق البرهان والوجدان.
امّا البرهان فبيانه : انّ المقدمات يختلف نحو تأثيرها. فمنها : ما يكون تأثيره بنحو الاقتضاء والفاعلية ، وهو المعبر عنه بالمقتضي. ومنها : ما يكون تأثيره على نحو الشرطية ، وهو الشرط. ومنها : ما يكون تأثيره بنحو الإعداد ، وهو المعدّ. ومن الواضح ان اختلاف أنحاء المقدمات يستلزم اختلاف نحو تقييد الواجب النفسيّ بها ، فيتعدد التقيد بتعدد أنحاء التأثير ولا يرجع إلى نحو واحد ، وظاهر ان التقيد متعلق للأمر النفسيّ الضمني ، فيترشح منه أمر غيري مستقل متوجه إلى كل مقدّمة من المقدّمات ، فيتعدد الأمر الغيري بتعدد المقدّمات سنخا.
وامّا الوجدان فتقريبه : انّه لا إشكال في إمكان الإتيان بكل مقدّمة بقصد أمرها الاستقلالي كالوضوء في باب الصلاة وهذا لا يتلاءم مع كون الأمر المتعلق به ضمنيا ، إذ لو كان ذلك لما جاز قصد أمرها الاستقلالي ، بل يكون مصداقا للتشريع (١).
والإنصاف : انّ محاولة المحقق العراقي فاشلة ، للخدشة في برهانه من وجوه :
الأول : انّه أخص من المدعى ، فانّه إذا كان تعدد سنخ التأثير في المقدمات هو الموجب لتعدد التقيدات التي ينشأ منها الوجوب الغيري ، فمقتضى ذلك تعلق وجوب غيري واحد بالمقدمات المتحدة في نحو التأثير كالمعدات أو الشروط ، لأن التقيد بها واحد فيترشح منه وجوب غيري واحد. والمدعى غير ذلك ، فانّ المدعى تعلق الوجوب بكل مقدّمة مقدّمة.
الثاني : انّ الكلام لا يختص بالمقدّمة الشرعية التي أخذ التقيد بها جزء
__________________
(١) الآملي الشيخ ميرزا هاشم. بدائع الأفكار ١ ـ ٣٩٠ ـ الطبعة الأولى.