ولتحقيق الحال في الطريق الثاني ـ إذ مرّ الكلام في الطريق الأول ـ لا بد ان نقول : انه مما لا إشكال فيه ان هناك فرقا بنظر العرف والعقلاء بين الإتيان بالمقدمة بقصد التوصل بها إلى الواجب النفسيّ ، والإتيان بها لا بهذا القصد ، بل بقصد دنيوي في حصول المثوبة والقرب في الأول دون الثاني. فانه إذا وجب الوصول إلى الكوفة ، وكان المشي مقدمة لتحققه ، فان إتيانه بالمشي بداعي الوصول إلى الكوفة الواجب يختلف أثره في مقام الإطاعة والقرب عما لو مشى لا بقصد الوصول ، بل بقصد الترويح عن النّفس أو ترويض الجسد.
فان مثل هذا لا يقبل الخلاف ، إلا ان تحقق القرب والثواب عند الإتيان بالمقدمة بداعي التوصل بها إلى الواجب النفسيّ يمكن أن يرجع سرّه إلى أحد وجوه ثلاثة :
الأول : أنه شروع في إطاعة الأمر النفسيّ المتعلق بذي المقدمة ، بلحاظ توقفه على المقدمة ، فالإتيان بالمقدمة شروع في إطاعة الأمر النفسيّ ، فيستحق الثواب على المقدمة من باب أنه إطاعة للأمر النفسيّ لا على ذات الإتيان بالمقدمة.
الثاني : ان الثواب على نفس العمل ، إلا أنه من جهة كشفه عن تحقق صفة حسنة لدى العبد ، وهي صفة الانقياد ، وقد تقدم ان حسن الانقياد حسن فاعلي لا فعلي ، فمدح المنقاد لا يكون على فعله بل على الصفة الحسنة التي يكشف عنها الفعل ، إذ قد يكون الفعل في نفسه مبغوضا ، كما لو قتل ابن سيده بتخيل انه عدوّه. وبالجملة : التقرب الحاصل في صورة الانقياد انما يتحقق بصفة الانقياد لا بالفعل المنقاد به.
الثالث : ان الثواب على ذات العمل لمقربيته بنفسه.
ولا يخفى ان العبادية المعتبرة في ما نحن فيه هي الإتيان بالفعل بنحو مقرب. وبتعبير أوضح : هو التقرب بالفعل بحيث يكون نفس الفعل سببا للقرب