ان اتصاف الشيء بالعرض انما يكون بطروّ واقع العرض عليه لا مفهومه ، فالجسم لا يتصف بالبياض الا بعروض حقيقة البياض عليه. وعليه فاتصاف الفعل بالمطلوبية بمجرد الأمر يكشف عن كون مدلول الهيئة واقع الطلب لا مفهومه ، إذ مفهوم الطلب لا يصحح اتصاف الفعل بالمطلوبية (١).
وقد ناقش فيه صاحب الكفاية : بان واقع الطلب يمتنع ان يكون مدلولا للصيغة ، فان وجود واقع الطلب تابع لأسبابه التكوينية الخارجية ، لأنه من الصفات النفسانيّة الخارجية ، ولا يتحقق بالإنشاء ، فلا وجه لإنشائه لعدم وجوده بالإنشاء. فالمتعين ان يكون مدلول الصيغة مفهوم الطلب القابل لتعلق الإنشاء به ، فانه أحد أسباب وجوده ، فيوجد بوجود إنشائي وهو غير الوجود الخارجي والذهني كما تقدم تحقيقه.
واما وجه اتصاف الفعل بالمطلوبية بمجرد الأمر والإنشاء : فهو لأجل تعلق الطلب الإنشائي به ، والمقصود بوصف المطلوبية هو المطلوبية الإنشائية ، التي قد تلازم المطلوبية الحقيقية وقد تنفك عنها.
وبالجملة : الطلب العارض على الفعل والّذي يوصف به العمل المطلوب هو الطلب الإنشائي المتحقق بالإنشاء.
وإذا تبين ان مدلول الصيغة هو مفهوم الطلب ، فهو قابل للإطلاق والتقييد. وتقريب التمسك بالإطلاق في إثبات النفسيّة : هو ان مدلول الصيغة وان كان يعم الطلب النفسيّ والغيري ، لكنه قد تقدم ان الوجوب النفسيّ الوجوب الثابت سواء وجب شيء آخر أو لا ، والغيري هو الثابت عند وجوب شيء آخر فالذي يحتاج إلى التنبيه عرفا والمئونة الزائدة على أصل مدلول الكلام هو الوجوب الغيري لأنه مقيد ، فمع عدم التقييد يتمسك بإطلاق الهيئة في ثبوت
__________________
(١) كلانتري الشيخ أبو القاسم. مطارح الأنظار ـ ٦٨ ـ الطبعة الأولى.