الا ان هذه النتيجة غير سديدة أيضا وذلك :
أولا ـ لأن هاتين الروايتين مضافا إلى ضعف سنديهما بالإرسال لا تدلان على جعل النهي أو بيانه غاية للخلية الواقعية في الأشياء ليكون استصحاب عدم جعل النهي أو عدم بيانه حاكما عليها بل قوله ( كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ) تقدم ان المراد من الورود فيه هو الوصول فيكون ظاهرا في جعل الإباحة الظاهرية ، على انها واردة عن الإمام الصادق عليهالسلام على تقدير صحتها سندا ومن الواضح انه لا معنى لتفسيرها بالإباحة الواقعية قبل الشرع وجعلها مغياة بورود النهي وانما تناسب إرادة الإباحة الظاهرية منها ، واما قوله ( اسكتوا عما سكت الله عنه ) المنقول عن أمير المؤمنين عليهالسلام فهي أجنبية عن مسألة الإباحة وانما مفادها النهي عن السؤال والتفحص والتشكيك والّذي قد يوجب التشديد من قبل المولى كما أوجبه على بني إسرائيل في موضوع البقرة على ما تقدم في بحث أدلة البراءة (١).
وثانيا ـ ان لازم هذا الكلام الالتزام بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لكل حكم ثابت في أول الشرعية بالإمضاء كما في الملكيات والاعتبارات العقلائية الثابتة قبل الشرع ، فلو شك في بقاء المجعول في مورد من موارد هذه الأحكام لم يكن يجري استصحاب عدم الجعل الزائد فيها ليكون معارضا مع استصحاب بقاء المجعول
__________________
(١) يمكن ان يقال : بان المقصود ان الدليل الّذي سلم ثبوته على الحلية قبل الشرع لكل شيء بنفسه يتضمن تقييد ذلك بما لم يشرع الإلزام والنهي ولو ارتكازا ولبا فكان هذا هو المستفاد من إمضاء الإباحة قبل الشرع مع التدرج في بيان الإلزامات فكلما لم يشرع فيه إلزام باق على إباحته قبل الشرع فتتم الحكومة المذكورة بلحاظ هذا الدليل لا محالة الا ان عهدة إثبات مدرك واضح على مثل هذه الدعوى على مدعيها.
وقد يقال : بأنا لو فرضنا ان الإباحة الواقعية الثابتة قبل الشرع كانت مغياة في دليلها بتشريع الحرمة ـ بناء على إمكان ذلك ـ أو بورود النهي فكما يحكم استصحاب عدم تشريع الحرمة أو عدم بيانها على استصحاب الإباحة الزائدة كذلك يحكم على استصحاب بقاء المجعول ـ أعني بقاء الحرمة أو النجاسة بعد زوال التغير ـ لأن دليل الإباحة الواقعية المغياة بذلك دليل اجتهادي يحكم على استصحاب المجعول بعد ضم استصحاب عدم جعل الحرمة الزائدة إليه.
ولا يتوهم ـ جريان استصحاب بقاء الحرمة المجعولة وإثبات الغاية به ، لأن المفروض ان الغاية عبارة عن بيان الحرمة أو تشريعها بمعنى جعلها لا الحرمة المجعولة لأن المناسب لأن يكون غاية للإباحة قبل الشرع انما هو ذلك لا المجعول الّذي هو أمر وهمي تصوري.
الا ان هذا البيان غير سديد ، لأن استصحاب عدم تشريع الحرمة أو عدم ورود النهي لا يثبت موضوع الإباحة الواقعية المغياة بذلك وقعا وحقيقة ليكون التمسك بالدليل الاجتهادي الدال عليها وانما يثبت ذلك ظاهرا وتعبدا أي يترتب أثره في مقام العمل والمفروض ان استصحاب بقاء المجعول أيضا يرتب الحرمة في مقام العمل فيتعارضان لا محالة.