ولعله لأجل أن ما اعتقده من الأمر وتحرك على طبقه لم يكن في حقه ، فلا إطاعة حقيقة للأمر حيث لا أمر. وأما محبوبيته واقعا فكفى بها مقربة له ، لكنه ما أتى بالفعل بداعي محبوبيته.
فما يصلح للدعوة المقربة ما دعاه ، وما دعاه لا واقعية له حتى يضاف الفعل إلى المولى بسبب الداعي من قبله.
والأمر وإن كان بوجوده العلمي داعيا ، وهو غير متقوم بوجوده العيني ، لكنا قد بينا (١) سابقا أن كون الفعل إطاعة لأمر المولى حقيقة بوجوده الواقعي ، باعتبار أن الأمر بوجوده العلمي صورة شخصه ، فينسب الى الصورة بالذات وإلى مطابقها بالعرض ، وإذا لم يكن لها مطابق ، فلا أمر من المولى حقيقة ، حتى يكون الفعل إطاعة حقيقية بل انقيادا ، وهو حسن عقلا لا عبادة شرعا.
هذا. إلاّ إذا فرض ترتب المصلحة على العمل المأتي به ولو بعنوان الانقياد ، وهو كلام آخر.
وحيث عرفت عدم خلو الأجوبة المذكورة عن المحذور.
فاعلم : أنه يمكن أن يقال في دفع إشكال الاستحالة بنحو لا ينافي ما وصل إلينا من الأدلة : إن ما عدا الأجزاء الاركانية يمكن أن يكون متقيدا بالالتفات إليه ، بأن يكون الدخيل فى الغرض الجزء الذي التفت إليه المكلف بطبعه ، لا الجزء عن التفات ، كالصلاة عن طهارة حتى يجب تحصيله بقيده.
بل القيد سنخ قيّد بوجوده بطبعه ومن باب الاتفاق ، أو يكون الجزء بذاته دخيلا في الغرض ، لكنه لا مصلحة في الالزام به ، إلا إذا التفت إليه ، وعلى أي حال فلا جزئية إلا لذات الجزء الملتفت إليه.
فالتكليف بنحو القضية الحقيقية متعلق بالمكلف بالاضافة إلى كل جزء من الأجزاء المعلومة بالأدلة مع الالتفات إليه.
__________________
(١) في التعليقة ٥١.