والأول يستلزم ان يكون هناك اعتباران : أحدهما : اعتبار الأفعال وكون الإنسان غاسلا ماسحا. والآخر : اعتبار كون هذه الأفعال الاعتبارية طهارة.
من الواضح انه لو استطاع أحد ان يتفوه بهذا ، فهو لغو محض ، لأنه يتمكن من اعتبار الطهارة بنفسها من دون ملزم للاعتبار الثاني ، لكن لا على وجه تكون النسبة نسبة العنوان إلى المعنون ، بل نسبة المسبب إلى السبب ، فاعتبار وجود الوضوء بقاء لا أثر فيه كما هو واضح.
وبالجملة : الالتزام بكون نسبة الطهارة إلى الأفعال نسبة العنوان إلى المعنون مما لا يساعد عليه التأمل.
واما عدم تأثير الالتزام به في إجراء البراءة : فلان الأمر لم يتعلق بنفس الأفعال ، بل بالعنوان البسيط الاعتباري المنطبق عليها ، والأفعال تكون محققة لذلك العنوان البسيط المعلوم ، فالشك فيها شك في محصل المأمور به ، إذ يشك في تحقق الطهارة بدون الجزء المشكوك ، ولا يكون الشك شكا في التكليف كما تخيل. وعليه فقاعدة الاشتغال هي المحكمة فيما نحن فيه.
والمتحصل : انه لا بد من إجراء قاعدة الاشتغال سواء التزم بان النسبة بين الطهارة والأفعال نسبة السبب والمسبب أو نسبة العنوان والمعنون.
ثم ان هاهنا مذهب ثالث ، وهو ان الأمر لم يتعلق بالطهارة حتى يقع الكلام المتقدم ، بل هو متعلق بنفس الأفعال من الغسل والمسح. وعليه فمع الشك في اعتبار جزء أو شرط زائد يكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، فانه شك في تكليف زائد على المتيقن ، والمقرر ان ذلك مجرى أصل البراءة.
ولا يخفى ان هذا أيضا لا ينفع في إجراء البراءة لأنه لو سلم فما يثبت به هو تعلق الأمر النفسيّ الندبي بالافعال لا الأمر النفسيّ الوجوبيّ ، فانه لا يحتمل ذلك إلا في الغسل وهو احتمال ضعيف لا يلتزم به.
والّذي بنينا عليه في بحث البراءة هو عدم جريان البراءة في الأوامر