اما إذا قلنا بأنه عبارة عن نفس الإرادة ، فتعلقها بالطهارات بحدّها مع تعلق الأمر الغيري الاستحبابية بها يستلزم اجتماع المثلين وهو محال ، بل الواقع هو اندكاك الإرادة الاستحبابية بالإرادة الوجوبية وخروج كل منهما عن حدّه الخاصّ ، وتنشأ منهما إرادة واحدة مؤكدة ، نظير اندكاك النور الضعيف بالنور القوي وانصهار أحدهما بالآخر ، فينشأ منهما نور واحد أقوى ، ولكن لا يكون لكل منهما وجود منحاز عن الآخر أصلا ، بل ليس هناك إلا وجود واحد للنور وهو النور الأقوى. فالحال في الإرادة كذلك فانه تنشأ من الإرادتين المندكتين إرادة واحدة مؤكدة يعبّر عنها بالوجوب الغيري ، إذ هو يغلب الاستحباب ، والمفروض ان الإرادة إلزامية. كما انه لا تكون إرادة نفسية كما لا يخفى ، فلا محيص عن ان تكون هذه الإرادة المؤكدة إرادة غيرية ، إلا انها ليست كسائر الإرادات الغيرية لأنها مشوبة بجهة راجحة نفسية ، ولأجل ذلك صح قصد الأمر الغيري دون الاستحبابي ، لعدم بقاء الأمر الاستحبابي ، بل لا يتصور سوى قصد الأمر الغيري ، إذ لا أمر غيره. ويحصل بقصده التقرب ، إذ هو يشتمل على جهة رجحان في ذاته ، فهو ليس على حد سائر الأوامر الغيرية كي يقال ان حصول التقرب به ينافي فرض عدم مقربية الأمر الغيري ، بل هو أمر غيري ، لكنه يختلف عن سائر الأوامر الغيرية ، لعدم تمحضه في الغيرية ، بل هو مشوب بجهة راجحة ذاتية ، فان الجهة الاستحبابية مؤثرة في تحقق التقرب وان لم يكن لها وجود بحدّها. نظير النور الضعيف فانه مؤثر في ذاته ، لكنه لا تميز له ولا انحياز.

وبالجملة : لا منافاة بين الالتزام بحصول التقرب بقصد الأمر الغيري هاهنا ، وبين ما تقدم من عدم مقربية الأمر الغيري ، إذ الأمر الغيري هاهنا يختلف عن سائر الأوامر الغيرية لاشتماله على جهة رجحان في ذاته.

واما إذا كان الأمر الغيري حكما مجعولا ، فالأمر فيه بالنسبة إلى

۵۲۶۱