والأمر الاعتباري ـ بتعبير آخر ـ عالما غير عالم الجعل والاعتبار ، ويكون مرتبطا بالأمور الخارجية أو لا؟.
وتحقيق الحال : ان في هذا الأمر مسالك ثلاثة :
المسلك الأول : ـ وهو مسلك المحقق النائيني رحمهالله ـ ان المجعول والمعتبر له عالم غير عالم الجعل والاعتبار ، فيمكن ان ينفك عنه ، فيتحقق الجعل دون المجعول لارتباط المجعول بأمور خارجية تتحقق فيما بعد ، وقد نظّر لذلك بباب الوصية التمليكية ، فان الموصي ينشئ التمليك حال الحياة مع عدم حصول الملكية في تلك الحال ، بل تحصل بعد الموت ، فالاعتبار منفك عن المعتبر.
وبالجملة : الّذي يدعيه ان فعلية المجعول لا تلازم فعلية الجعل ، بل هي ترتبط بالأمور الخارجية فتدور مدارها وجودا وعدما. ومن هذه الجهة يقع البحث في الشرط المتأخر كما تقدم تقريبه. وهذا أصل قرّره وبنى عليه كثير من الآراء الأصولية كامتناع الشرط المتأخر والواجب المعلق وغير ذلك (١).
وقد نوقش هذا الوجه :
أولا : بان المعتبر لا تقرّر له ولا عالم سوى عالم الجعل والاعتبار ، فيستحيل ان ينفك عن الاعتبار ويوجد متأخرا عنه ، فانه نظير الماهية المتصورة في الذهن ، فانها كما لا يمكن انفكاكها عن التصور ، فيوجد التصور بدون الماهية المتصورة ، لأن واقعها هو التصور ، كذلك لا يمكن انفكاك المعتبر عن الاعتبار والمجعول عن الجعل لتمحض واقعه في الجعل والاعتبار ، وليس له واقع وراء ذلك ، فلا يمكن تخلفه عنه.
وثانيا : ـ أو بتقريب آخر ـ ان نسبة الاعتبار إلى المعتبر نسبة الإيجاد إلى الوجود ، وقد تقرر ان الإيجاد والوجود متحدان ذاتا ، والتغاير بينهما اعتباري فلا
__________________
(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ١٢٧ و ١٤٥ ـ الطبعة الأولى.