لا بدّ للمفسِّر من أن يتبع الظواهر التي يفهمها العربي الصحيح ، وقد أقام الأدلّة في البحث الذي خصّصه لحجّيّة ظواهر الكتاب ص ٢٨١ وما بعدها من القرآن والسنّة المتواترة ، والعقل ، وأبطل في هذا البحث حجج الذين منعوا من العمل بالظاهر. وهو في هذا البحث فرّق بين التفسير بالرأي المنهيّ عنه ، والتفسير بالظاهر. وذلك لأنّ الظاهر هو التفسير بما يفهمه العرب من اللّفظ ، أو بما تدلّ عليه القرائن المتّصلة والمنفصلة ، فان حمل اللّفظ على ظاهره بعد الفحص عن القرائن المتّصلة والمنفصلة من الكتاب والسنّة ، أو الدليل العقلي لا يُعدّ من التفسير بالرأي. بل ولا من التفسير نفسه ؛ لأنّ التفسير هو كشف القناع ، فلا يكون حمل اللّفظ على ظاهره تفسيراً ، لأنّه ليس بمستور حتى يُكشف.
إذن فهو يرفض التفسير بالرأي ، ولكنّه يقبل التفسير بالظاهر لهذا الفرق بينهما ، الذي يتلخّص في أنّ التفسير بالرأي هو العمل بالعمومات ، أو المطلقات من غير فحص عن المخصّص أو المقيّد ، بينما التفسير بالظاهر أخذ بظاهر اللّفظ ولكن بعد الفحص عن المخصّص أو المقيّد.
وأدام البحث أيضاً تحت عنوان : ( تفسير القرآن بالقرآن ) بما صرّح به الإمام الخوئي ، وسيجد القاري أنّ كثيراً ما أستعين بالآية على فهم أختها ، واسترشد بالقرآن إلى إدراك معاني القرآن ، ثّم أجعل الأثر المروي مرشداً إلى هذه الاستفادة ، ونجد هذا المنهج شائعاً في تفسيره (١).
وكمثل عليه أنّه ينقل عن الطبري وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني في كلمة الرّحمن الرّحيم : انّ بعض الروايات تقول : الرّحمن اسم خاص معناه عام والرّحيم اسم عام ومعناه خاص ، وانّه مختص بالآخرة أو المؤمنين. فردّ هذه الروايات مستدلاًّ باستعمال القرآن لفظ الرّحيم من غير اختصاص بالمؤمنين ، أو بالآخرة ، مثل ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ، ومثل ﴿ نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ ، وأمثالها ممّا يدلّ على عدم اختصاص الرّحيم بالمؤمنين ، كذلك فانّ كثيراً من الروايات والأدعية تقول رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما.
__________________
(١) القرآن والتفسير / للدكتور عبد الله محمود شحاته / ٢٢١.