الثاني ـ مفهوم الولاية المطلقة :
وهل هناك اتجاه لبعض الفقهاء أن يساوي بين ولاية المعصوم نبيّاً كان أو إماماً وولاية الفقيه ، المبسوط اليد على المسلمين ، من دون أي تفاوت أو فرق بينهما ، على أنّ منها ما تكون على مستوى النبوّة والإمامة ، ومنها ما تكون على مستوى النيابة العامّة عن المعصوم عليهالسلام.
ومهما تكن هذه الولاية الممنوحة لهم ، فإنّ إحداهما حجّة على الأُخرى. إذ لا يمكن تصعيد النبوّة إلى مقام الربوبيّة في الولاية ، ولا تصعيد الإمامة إلى منزله النبوّة فيها ، كما لا يمكن تصعيد الفقاهة إلى أيّة منزلة ولائيّة من هذه المنازل ، حتّى ولو كانت مجاري الأُمور على أيدي العلماء ، وحقٌّ للعوام أن يقلِّدوهم هذا المنصب الإلهي. فالولاية التي تقوِّمها العصمة ، والعلم بالغيب ، والقدرة على الإعجاز لا تكون كالولاية التي تقوِّمها العدالة ، وتبرِّرها النِّيابة العامّة هي نفسها التي أُعطيت للنبوّة والإمامة ، لمكانة الشروط التي لا يمكن أن تؤتى أحداً ، والشروط التي يمكن أن تتأتّى لكل أحد. وهذه المزايا التي أُعطيت للنبوّة أو الإمامة كانت تأهّلاً لهم لهذه الولاية التي اختصّوا بها.
وما ينتقل من الولاية عن النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى الإمام عليهالسلام ؛ عامله المشترك هو الإمامة التي تتواجد في النبيّ والإمام معاً. وأمّا ما ينتقل إلى الفقيه فلم تكن هذه الإمامة قاسمها المشترك بينهما ؛ بل هو النيابة العامّة ، وزعامة المسلمين ، في مجاري الأُمور ، وتصاريف الأحداث.
وقد جعل الله في النبوّة والإمامة الولاية التكوينيّة ، دعماً لها ، ودليلاً على صدقها وتثبيتها. وأمّا الفقيه فليس له أيّة ولاية تكوينيّة ، أو تشريعيّة ، بل له ولاية الفتوى والحكم والزّعامة على قدر نيابته في قيادة الأُمّة وريادتها.
الولاية في القرآن :
وقد فصّلت في هذه الآية ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ (١) الولاية بوضوح :
__________________
(١) النساء : ٥٩.