الأوّل مفهوم النيابة العامّة :
ولا بدّ لنا من الخوض في تفصيل ذلك ، من أن نطرح قبل كل شيء موضوع النيابة العامّة التي نشأت عنها الولاية والمرجعيّة ، واحدة تلو الأُخرى.
وعند انتهاء أمد النيابة الخاصّة بالنوّاب الأربع في الغيبة الصغرى ، وغياب الإمام المهدي الغيبة الكبرى لحكمة من الله ، ومصلحة للمسلمين ما دامت دولة الدنيا للفاسقين (١) حيث لا يجد المؤمن ملجأً يلتجئ إليه من الظّلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً (٢).
فلم يقطع الإمام الغائب عن الأُمّة هدايته وإمامته في مختلف العصور ، ولم يتركهم بلا راعٍ يرعاهم ، ودون حجّة تأخذ بأيديهم ، وهو الإمام الّذي يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشّمس ، وإن تجلاّها السّحاب (٣). وقد أناب عنه رواة أحاديثهم بهذه التصريحات :
١ ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم (٤) ، ممّن يليق بهم أن يكونوا حجّة على الناس.
وفي هذا النص دلالات واضحة لا يمكن الخروج عليها بحال من الأحوال :
أ ـ إنّ هذه النيابة العامّة التي جعلت النوّاب حجّة على الناس ، إنّما أعطوها من دون أصالة ، أو استقلال.
ب ـ وقد خصّوا بها بوصفهم رواة أحاديثهم ، ليرجعوا إليها في تصريف الأمور ، وتدبير الحوادث ، ممّن يستطيعون أن يصلوا إلى أحكام الله بالاجتهاد والفتوى.
ج ـ لم تكن هذه النيابة التي أعطتهم الولاية على الناس مطلقة حدّ الإطلاق الذي يغنيهم عن أن يكون الإمام الغائب حجّة عليهم ، وأن لا يحرزوا رضاه ، وهو
__________________
(١) بحار الأنوار ١ / ٢٤٦.
(٢) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٤٦٥.
(٣) تفسير البرهان ١ / ٣٨١.
(٤) وسائل الشيعة ج ١٨ باب ١١ من صفات القاضي ح ٩ ، وإكمال الدين ٢ / ١٦٢.