هذه الاطمئنانات يقتضي الحجّية التعيينية لكلّ واحدٍ منها ، غير أنّ الصحيح : أنّ مفاده هو الحجّية التخييرية ؛ لأنّ دليل الحجّية هنا هو السيرة العقلائية ، وهي منعقدة على الحجّية بهذا المقدار.
التقريب الثاني : أنّ الركن الرابع من أركان التنجيز المتقدِّمة مختلّ ؛ وذلك لأنّ جريان الاصول في كلّ أطراف العلم الإجمالي لا يؤدّي إلى فسح المجال للمخالفة القطعية عملياً والإذن فيها ؛ لأنّنا نفترض كثرة الأطراف بدرجةٍ لا تُتيح للمكلف اقتحامها جميعاً ، وفي مثل ذلك تجري الاصول جميعاً بدون معارضة.
وهذا التقريب متّجه على أساس الصيغة الأصلية التي وضعناها للركن الرابع فيما تقدم ، وأمّا على أساس صياغة السيّد الاستاذ له السالفة الذكر فلا يتمّ ؛ لأنّ المحذور في صياغته الترخيص القطعي في مخالفة الواقع ، وهو حاصل من جريان الاصول في كلّ الأطراف ولو لم يلزم الترخيص في المخالفة القطعية لعدم القدرة عليها. ومن هنا يظهر أنّ الثمرة بين الصيغتين المختلفتين للركن الرابع تظهر في تقويم التقريب المذكور إثباتاً ونفياً.
غير أنّ السيّد الاستاذ (١) حاول أن ينقض على من يستدلّ بهذا التقريب ، وحاصل النقض : أنّ الاحتياط إذا كان غير واجبٍ في الشبهة غير المحصورة من أجل عدم قدرة المكلف على المخالفة القطعية يلزم عدم وجوب الاحتياط في كلّ حالةٍ تتعذّر فيها المخالفة القطعية ولو كان العلم الإجمالي ذا طرفين أو أطرافٍ قليلة ، حيث تجري الاصول جميعاً ولا يلزم منها الترخيص عملياً في المخالفة القطعية.
ومثاله : أن يعلم إجمالاً بحرمة المكث في آنٍ معيَّنٍ في أحد مكانين ، مع أنّ
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٣٧٤.