وإن ادُّعي كونها رادعةً عن السيرة العقلائية بالتقريب الثاني فقد يكون له وجه. ولكنّ الصحيح مع هذا عدم صلاحيتها لذلك أيضاً ؛ لأنّ مثل هذا الأمر المهمّ لا يكتفى في الردع عنه عادةً بإطلاق دليلٍ من هذا القبيل.

٣ ـ دلالة العقل على حجّية الخبر

وأمّا دليل العقل فله شكلان :

أ ـ الشكل الأول : ويتلخّص في الاستدلال على حجّية الروايات الواصلة إلينا عن طريق الثقات من الرواة بالعلم الإجمالي.

وبيانه : أنّا نعلم إجمالاً بصدور عددٍ كبيرٍ من هذه الروايات عن المعصومين عليهم‌السلام ، والعلم الإجماليّ منجِّز بحكم العقل كالعلم التفصيلي ؛ على ما تقدّم في حلقةٍ سابقة (١) ، فتجب موافقته القطعية ، وذلك بالعمل بكلّ تلك الروايات التي يعلم إجمالاً بصدور قسطٍ وافرٍ منها.

وقد اعترض على هذا الدليل باعتراضين :

الأول : نقضيّ ، وحاصله : أنّه لو تمّ هذا لأمكن بنفس الطريقة إثبات حجّية كلّ خبرٍ حتّى أخبار الضعاف ؛ لأنّنا إذا لاحظنا مجموع الأخبار بما فيها الأخبار الموثّقة وغيرها نجد أنّا نعلم إجمالاً أيضاً بصدور عددٍ كبيرٍ منها ، فهل يلتزم بوجوب العمل بكلّ تلك الأخبار تطبيقاً لقانون منجِّزية العلم الإجمالي؟

والجواب على هذا النقض : ما ذكره صاحب الكفاية (٢) من انحلال أحد

__________________

(١) تجد ذلك في الحلقة الثانية بل في هذه الحلقة أيضاً في بحث حجّية القطع ، تحت عنوان : العلم الإجمالي.

(٢) كفاية الاصول : ٣٥٠.

۶۰۸۷