وأمّا الوجه الثاني فحاصله : أنّ الأحكام إنّما تتعلّق بالعناوين والصور الذهنية لا بالوجود الخارجي مباشرةً. فإذا كان العنوان في افق الذهن متعدّداً كفى ذلك في عدم التنافي.
فإن قيل : إنّ العناوين في الذهن إنّما يعرض لها الأمر والنهي بما هي مرآة للخارج ، وهذا يعني استقرار الحكم في النهاية على الوجود الخارجي بتوسّط العنوان ، والوجود الخارجي واحد فلا يمكن أن يثبت أمر ونهي عليه ولو بتوسّط عنوانين.
كان الجواب على ذلك : أنّ ملاحظة العنوان في الذهن مرآةً للخارج عند جعل الحكم عليه لا يعني أنّ الحكم يسري إلى الخارج حقيقةً ، وإنّما يعني أنّ العنوان ملحوظ بما هو صلاة أو غصب ، لا بما هو صورة ذهنية.
وهذا الوجه إذا تمّ إنمّا يدفع التنافي بالتقريب الأول ، أي بدعوى الاستبطان المذكور سابقاً ، فإنّ الأمر بجامع الصلاة إذا كان يستبطن وجوباتٍ مشروطةً بعدد الحصص فكلّ وجوبٍ متعلّق بحصّةٍ من حصص الصلاة بهذا العنوان ، لابها بما هي حصّة من حصص الغصب ، فلا تنافي بين الوجوبات المشروطة والنهي بعد افتراض تعدّد العنوان.
ولكنّ الوجه المذكور لا يدفع التنافي بالتقريب الثاني الذي أفاده المحقّق النائيني ، وهو المنافاة بين النهي عن الحصّة والترخيص في التطبيق ؛ لأنّ إطلاق الواجب لحالة غصبية الصلاة إذا كان يعني الترخيص في تطبيقه على المقيّد بهذه الحالة فهو منافٍ لتحريم هذه الغصبيّة لا محالة.
[اختلاف الأمر والنهي في زمان الفعليّة :]
الخصوصية الثالثة : أن نسلِّم بأنّ الخصوصيّتين السابقتين غير نافعتين لدفع التنافي ، وأنّ الصلاة في المكان المغصوب لا يمكن أن يجتمع عليها أمر ونهي