وإذا اختلّ الشرط الثالث كان العلم الإجمالي منجِّزاً والركن الثالث محفوظاً ؛ لأنّ الاصول المؤمِّنة في غير مورد الأمارة والأصل الشرعي المنجِّز معارضة بالاصول المؤمِّنة التي كانت تجري في موردهما قبل ثبوتهما.
وبكلمةٍ اخرى : إذا أخذنا من مورد المنجِّز الشرعي فترة ما قبل ثبوت هذا المنجِّز ومن غيره الفترة الزمنية على امتدادها حصلنا على علمٍ إجماليٍّ تامّ الأركان فينجِّز.
ومن هنا يعرف أنّ انهدام الركن الثالث بالمنجِّز الشرعي مرهون بعدم تأخّر نفس المنجِّز عن العلم ، ولا يكفي عدم تأخّر مؤدّى الأمارة ـ مثلاً ـ مع تأخّر قيامها ؛ وذلك لأنّ سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز في حالات قيام المنجِّز الشرعي في بعض أطرافه إنّما هو بسبب المنجِّزية الشرعية بإحدى الصيغتين السابقتين ، والمنجِّزية لا تبدأ إلاّمن حين قيام الأمارة أو جريان الأصل ، سواء كان المؤدّى مقارناً لقيامها أو سابقاً على ذلك.
وبالمقارنة بين الانحلال الحكمي ـ كما شرحناه هنا ـ والانحلال الحقيقي ـ كما شرحناه آنفاً (١) ـ يظهر أنّهما يختلفان في هذه النقطة ، فبينما العبرة في الانحلال الحكمي بعدم تأخّر نفس المنجِّز الشرعي عن العلم الإجمالي نلاحظ أنّ العبرة في الانحلال الحقيقي كانت بملاحظة جانب المعلوم التفصيلي وعدم تأخّره عن زمان المعلوم الإجمالي ؛ وذلك لأنّ ميزانه سراية العلم من الجامع الى الفرد ، وهي لازم قهريّ لانطباق المعلوم الإجمالي على المعلوم التفصيلي ومصداقية هذا لذاك ، ولا دخل لتأريخ العلمين في ذلك ، فمتى ما اجتمع العلمان ـ ولو بقاءً ـ وحصل الانطباق المذكور حصل الانحلال الحقيقي.
__________________
(١) تحت عنوان انحلال العلم الإجمالي بالتفصيلي.