وإن كانت محبوبةً حتماً ، ولكن ليس من الضروري أن يتصدّى المولى لإيجابها ، بل قد يقتصر في مقام الطلب على تقريب المكلّف نحو الغاية ؛ وسدّ بابٍ من أبواب عدمها ، وذلك عند وجود محذورٍ مانعٍ عن التكليف بها وسدّ كلّ أبواب عدمها ، كمحذور المشقّة وغيره.
والاعتراض على ثالث تلك الوجوه : بأنّ الأمر بالنفر والإنذار ليس لغواً مع عدم الحجّية التعبّدية ؛ لأنّه كثيراً مّا يؤدّي إلى علم السامع فيكون منجِّزاً ، ولمَّا كان المُنذِر يحتمل دائماً ترتّب العلم على إنذاره ، أو مساهمة إنذاره في حصول العلم ولو لغير السامع المباشر فمن المعقول أمره بالإنذار مطلقاً.
وهذه المناقشة إذا تمّت جزئياً فلا تتمّ كلّياً ؛ لأنّ دلالة كلمة (لعلّ) على المطلوبية غير قابلةٍ للإنكار. وكون مفادها الترقّب وإن كان صحيحاً ولكنّ كونه ترقّبَ المحبوب أو ترقّب المخوف يتعيّن بالسياق ، ولا شكّ في تعيين السياق في المقام للأول.
وقد يناقش في الأمر الثاني ـ بعد تسليم الأول ـ : بأنّ الآية الكريمة لا تدلّ على إطلاق وجوب التحذّر لحالة عدم علم السامع بصدق المنذِر ، وذلك لوجهين :
أحدهما : أنّ الآية لم تُسَقْ من حيث الأساس لإفادة وجوب التحذّر لنتمسّك بإطلاقها لإثبات وجوبه على كلّ حال ، وإنّما هي مسوقة لإفادة وجوب الإنذار ، فيثبت بإطلاقها أنّ وجوب الإنذار ثابت على كلّ حال ، وقد لا يوجب المولى التحذّر إلاّعلى من حصل له العلم ، ولكنّه يوجب الإنذار على كلّ حال ، وذلك احتياطاً منه في مقام التشريع ؛ لعدم تمكّنه من إعطاء الضابطة للتمييز بين حالات استتباع الإنذار للعلم أو مساهمته فيه وغيرها.
والوجه الآخر : ما يدّعى من وجود قرينةٍ في الآية على عدم الإطلاق ؛ لظهورها في تعلّق الإنذار بما تفقّه فيه المنذِر في هجرته ، وكون الحذر المطلوب