لأنّ الأمر بصب الماء على المنكبين ليس أمراً مولوياً وإنما هو إرشاد إلى إيصال الماء إلى جميع أجزاء البدن ، وذلك للقرينة الخارجية والداخلية.

أمّا الخارجية فهي موثقة سماعة الآمرة بصب كف من الماء على الصدر وكف منه على الكتف (١) فانّ الصدر والكتف ليسا من أعلى البدن فمنه يظهر أن الغرض إيصال الماء إلى أجزاء البدن ، وهذا قد يكون بصب الماء من اليمين واليسار وقد يكون من القدام والخلف ، فليس الأمر بصب الماء من المنكبين إلاّ لذلك لا لأجل لزوم الغسل من الأعلى إلى الأسفل.

وأمّا القرينة الداخلية فلقوله عليه‌السلام في ذيلها : « فما جرى عليه الماء فقد أجزأه » لأنه تفريع على صب الماء من المنكبين ، ومعناه أنّ الصب إنما هو لجريان الماء على البدن ، ومن الواضح أن الجريان إنما يكون بصب الماء من الأعلى والمنكب ولذا أمر به لا لأن الغسل لا بدّ أن يقع من الأعلى إلى الأسفل ، هذا كله.

على أنا لو سلمنا كونه مولوياً فهو متعلق بالصب على المنكبين مقيّداً بالمرّتين وليس أمراً مطلقاً بالصب على المنكبين ، وقد علمنا خارجاً أن القيد مستحب ، إذ لا يعتبر في الصب مرّتان ، فيكون الأمر بالمقيد أمراً استحبابيا.

وتوهّم أنّ العلم بالاستحباب إنما يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب في القيد وأما ذات المقيّد فالأمر باق على ظهوره فيه ، فأصل الصب على المنكبين واجب مندفع بأن ذلك إنما يتم في العموم والإطلاق ، فإن الأمر إذا تعلق بإكرام عشرة وعلمنا بعدم وجوب إكرام واحد منهم فهو لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب في الجميع ، وإنما نرفع اليد عنه في خصوص الواحد المعلوم استحبابه ، وهذا بخلاف الأمر بالمقيّد لأنّه شي‌ء واحد لا ينحل إلى أمرين أمر بالذات وأمر بالقيد ، فإذا علمنا أنّ القيد مستحب فلا بدّ من رفع اليد عن ظهور الأمر بالمقيّد من الوجوب.

ويؤيِّد ما ذكرناه من عدم لزوم الغسل من الأعلى إلى الأسفل صحيحة زرارة‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٣١ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٨.

۴۴۰