في أبنائهما وسلالتهما ، على مستوى ما اتّسعت الحياة ومتشابكاتها ، فكان واضع اللّغة وملهمها هو الله ، بادئ ذي بدء ، ويُؤثر أنّ آدم انّما سُمِّي بآدم ، لأنّه خُلِقَ مِن أديم الأرض.
وقد ساعد على ذلك ما أنطق الله الأحجار حين انحدارها من الجبال لطقطقتها ، والأشجار حين اشتدّت بها الرِّيح بحفيفها ، والمياه حين تلاطمت بخريرها ، وكذلك الطيور بزغردتها ، والعجماوات بخوارها ، وعوائها ، وزئيرها ، والرّعد برعديده ، وما إلى ذلك من الأصوات التي صنعت منها أسماء الأصوات التي تحاكيها.
ومن جهة أُخرى ، إذا كانت أصوات الطبيعة وضجيجها هي الباعث في كلّ لغة ساعدت على وضع كثير من مفرداتها لكانت لغة واحدة ، إلاّ أنّها كانت ولا تزال مختلفة.
ولو أنّها كانت موضوعة على غير انسجام ، لم تكن لها كل تلك الخصائص التي جمعتها على نسق واحد ، ذات هيئات لصيغها المختلفة ، صيغة الماضي والمضارع والأمر ، وصيغ لاسم الزمان ، والظروف المكانيّة ، وأسماء الآلات في أوزان مختلفة ، تختصّ بها دون غيرها. ولذلك وُجِدَت منسجمة ، ومتّسقة غير عشوائيّة. فيها أسرار لغويّة وبلاغية مطردة.
وهكذا كان المعلِّم الأوّل ، هو الله ، والملقِّن هو الطّبيعة المستعان بها ، وواضعها قبل ذلك هو الحكيم العالِم.
ثمّ استطاع الإنسان أن يجد المعاني المجرّدة ، يتلقّى أسماءها ، كالتعبير عن العقل والعلم والفهم والشعور والإدراك ، وهي من الذخائر النفيسة الدفينة ، الوادعة ، التي لا جلبة لها ، ولا ضوضاء.
ولذلك : فكان من المسلّم أن تكون هناك إمدادات غيبيّة مجرّدة ، فُطِرَ عليها الإنسان.
وقد وصل في ذلك إلى وضع لغات غليظة للقوّة الغصبيّة ، باعتبار آثارها من الزمجرة والهياج ، ولصفة الشجاعة ، وما ينشأ عنها من تفاعلات.