وفي مكان آخر يصرِّح أيضاً : ( يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود ... إنّ إقامة الحدود إنّما شرّعت للمصلحة العامّة ، دفعاً للفساد ، وانتشار الفجور والطّغيان بين الناس. وهذا ينافي اختصاصه بزمان دون زمان. وليس لحضور الإمام دخل في ذلك قطعاً. فالحكمة المقتضية لتشريع الحدود تقتضي بإقامتها في زمان الغيبة ، كما تقتضي بها زمان الحضور ... ) (١).
وعلى هذا الاتساع في ولاية الأُمور الحسبيّة تفرّد الإمام الخوئي بالقول في عصرنا الحاضر بوجوب الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة : ( ... إنّ الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة ، وثبوته في كافّة الأعصار لدى توفّر شروطه ... إنّا لو قلنا بمشروعيّة أصل الجهاد في عصر الغيبة فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ يظهر من صاحب الجواهر قدسسره ، اعتباره بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك زمن الغيبة. وهذا كلام غير بعيد ... فإنّه يتصدّى لتنفيذ هذا الأمر من باب الحسبة ، على أساس أنّ تصدِّي غيره يوجب الهرج والمرج ، ويؤدِّي إلى عدم تنفيذه بشكل مطلوب كامل ) (٢).
وفي أهميّة حفظ النظام ، وحتى في توقّفه على لزوم تعاطي حرفة الطبابة ، يُفتي : ( فإنّها وإن كانت واجبة بالعرض باعتبار توقّف النظام عليها ، كسائر أنواع الحرف والصناعات الدخيلة في حفظ النظام ... ) (٣) ، يجوز أخذ الأُجرة على الطّبابة ، وإن كانت من الواجبات الكفائيّة ، ضماناً لحقوق الفرد والمجتمع ، وذلك لاستتباب النظام.
ثمّ على أساس شمول هذه الولاية الحسبيّة أيضاً جميع الأُمور العامّة للمسلمين ، السياسيّة منها ، والاجتماعيّة ، والدينيّة والجهاديّة والقضائيّة : قام الإمام الخوئي فيما قام به من إصدار أحكام سياسيّة ، عُرِفَ بها.
وولاية الحسبة كما عرّفها تلميذه ومقرِّره في التعليق على أبحاثه في الاجتهاد والتقليد
__________________
(١) مباني تكملة المنهاج ١ / ٢٢٤ مسألة ١٧٧.
(٢) منهاج الصالحين ، للإمام الخوئي ، ج ١ ، قسم العبادات ، ٣٦٥ ٣٦٦.
(٣) مستند العروة الوثقى ، كتاب الإجارة ، باب أخذ الأُجرة على الطبابة ، من تقريرات الأبحاث الفقهيّة للإمام الخوئي. رجعتُ إليها ( سلسلة مفاهيم إسلامية ) برقم (٥٠) في كرّاسة ( الملامح الأساسيّة لنظريّة السوق التجارية في الإسلام ) / ٦.